كما مَرَّ، وإنما سميت هذه المدة قريبة؛ لأن كلَّ ما هو آت قريب، وفيه تنبيه على أن عمرَ الإنسان، وإن طال. فهو قليل، وأن الإنسانَ يتوقع في كل ساعة ولحظة نزولَ الموت به، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى يقبل توبةَ العبد ما لم يغرغر". أخرجه الترمذي، وقد مرَّ الحديثُ بتأويله فلا تغفل. الغرغرة: أن يجعلَ المشروب في فم المريض، فيردِّدَه في الحَلْق، ولا يَصِلَ إليه، ولا يَقدِر على بلعه، وذلك عند بلوغ الروح الحلقومَ.
وقيل في معنى الآية: إن القريب هو: أن يتوب الإنسانُ قبل أن يحيطَ السوء بحسناته فيحبطَها.
والأصح كما قدمنا أن القريبَ أن يتوب بعدما سكنت ثورة الشهوة، وانكسرت حدَّةُ الغضب؛ إذ مَنْ كان قويَّ الإيمان لا تقع منه المعصية إلا عن بادرة غضبٍ، أو شهوةٍ هفوةً بعد هفوة، ثم لا يلبث أن يبادَر إلى التوبة.
وقد قسموا التوابين إلى أقسام وطبقات (?)
الأول: من هو سليم الفطرة عظيمُ الاستعداد للخير، فهو إذا وقع في خطيئة مرةً كان له منها أكبَرُ عبرة، فيندَمُ بعدها، ويحملُ نفسَه على الفضيلة، ويصرِفُها عن كل رذيلة.
الثاني: مَنْ تكون داعية الشهوة أقوى في نفسه، وأرسخَ في قلبه .. فإذا أطاع نفسَه، وارتكب معصيةً. قامتْ الخواطرُ الإلهية تحاربه، وتوبِّخُه حتى تنتصرَ عليه، وتقهرَهُ قهرًا تامًّا، فلا يعودُ بعدَها إلى اجتراح إثم، ولا وقوع ذنب.
الثالث: من تقوى نفسُه بالمجاهدة على اجتناب كبار الإثم، والفواحش، لا على صِغَارِ الذنوب والآثام، وهنَاكَ تكون الحربُ في نفوسهم سجالًا بينَ ما يلمون به من الصغائر، وبَيْنَ الخواطر الإلهية التي هي جندُ الإيمان.
الرابع: من يقع في الذنب، فيتوبُ ويستغفر، ثم يَعْرُض له مرةً أخرى،