وخلاصة المعنى: أن التوبةَ التي أوجب الله على نفسه قبولَها بوعده الذي هو أثر كرمه وفضله، ليست إلا لمن يجترحُ السيئةَ بجهالة تلابس نفسَه من سورة غضب أو تغلب شهوة، ثم لا يلبث أن يندم على ما فرط منه، وينيبَ إلى ربه، ويتوبَ ويقلع عن ذنبه.
وما رواه أحمد عن ابن عمر من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يقبل توبةَ العبد ما لم يغرغر"، فالمراد منه: أنه لا ينبغي لأحد أن يَقنط من رحمة الله، وييأس من قبول التوبة ما دام حيًّا، وليس معناه: أنه لا خوف على العبد من التمادي في الذنوب إذا هو تاب قبل الموت بساعة، فإن هذا مخالف لهدي الدين في مثل قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} ولمثل قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}.
قوله: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} السوء: هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله إذا كان عاقلًا سليم الفطرة، وهذا شاملٌ للصغائر والكبائر {والجهالة} الجهل: وتغلُّب السفه على النفس عند ثورة الشهوة، أو سورة الغضب، حتى يذهبَ عنها الحلم، وتنسى الحقَّ، وكل من عصى اللهَ يسمَّى جاهلًا، ويسمَّى فعله جهالةَ كما قال تعالى: إخبارًا عن يوسف عليه السلام {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
وسر هذا أن العاصي لربه لو استعمل ما معه من العلم بالثواب، والعقاب .. لما أقدم على المعصية؛ إذ هو لا يرتكبها إلا جاهلًا بحقيقة الوعيد، ومنتظرًا لاحتمال العفو، والمغفرة، أو شفاعة الشفعاء التي تصد عنه العقابَ، وقيل: معنى الجهالة: أن يأتي الإنسانُ بالذنب مع العلم، بأنه ذنب، لكنه يجهل عقوبتَه، وقيل: معنى الجهالة: هو اختيار اللذة الفانية على اللذة الباقية.
{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}؛ أي: يتوبون (?) بالإقلاع عن الذنب بزمان قريب، لئلا يعدَّ في زمرة المصرينَ، وقيل: القريب: أن يتوب في صحته قبل مرض موته، وقيل: قبل موته، وقيل: قبل معايَنةِ ملك الموت، ومعايَنةِ أهوال الموت،