فإن أوصى الإنسان. فحسن، وإن لم يوص .. فحسن أيضًا، ومن الحسن أن ينظر الإنسان في قدر ما يخلف، ومن يخلف، ثم يجعل وصيته بحسب ذلك، فإن كان ماله قليلًا، وفي الورثة كثرة .. لم يوص، وإن كان في المال كثرة .. أوصى بحسب ماله، وبحسب حاجتهم بعده كثرةً وقلةً، وقد روي عن علي أنه قال: لأن أوصي بالخمس، أحب إلى من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع، أحب إلى من أن أوصي بالثلث.
وقرأ ابن كثير (?) وابن عامر وعاصم {يُوصَى} بفتح الصاد، وقرأ الباقون بكسرها، واختار الكسر أبو عبيد، وأبو حاتم؛ لأنه جرى ذكرُ الميت قبل هذا، قال الأخفش: وتصديق ذلك قوله {يُوصِينَ} و {تُوصُونَ} وقرأ الحسن {غير مضار وصية} بالإضافة، وفيه وجهان: أحدهما: تقديره: غير مضار أهل وصية، أو ذي وصية، فحذف المضاف، والثاني تقديره: غير مضار وقتَ وصية، فحذف، وهو من إضافة الصفة إلى الزمان، ويقرب من ذلك قولهم: هو فارس حرب؛ أي: فارس في الحرب، ذكره أبو البقاء {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}؛ أي: يوصيكم الله سبحانه وتعالى بذلك، ويأمركم به وصيةً منه عز وجل، فهي جديرة أن يعتنى بها، ويذعن للعمل بموجبها، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما ينفعكم، وبنياتِ الموصين منكم، {حَلِيمٌ} لا يعجل بعقوبتكم بمخالفة أحكامه، ولا بالجزاء على مخالفتها عسى أن تتوبوا؛ كما لا يبيح لكم أن تعجلوا بعقوبة من تبغضونه، فتضاروه في الوصية، كما لا يرضى لكم بحرمان النساءِ، والأطفال من الإرث. وفي هذا إشارة إلى أنه تعالى قد فرضها، وهو يعلم ما فيها من الخير، والمصلحة لنا، فمن الواجب أن نذعن لوصاياه، وفرائضه، ونعمل بما ينزلُ علينا من هدايته؛ كما لا ينبغي أن يغر الطامع في الاعتداء، وأكل الحقوق تمتع بعض المعتدين بما أكلوا بالباطل، فيظن أنهم بمنجاة من العذاب، فيتجرأ على مثل ما تجرؤوا عليه من الاعتداء، فإنه إمهال يقتضيه الحلم، لا إهمالُ من العجز، وعدم العلم.