13 - {تِلْكَ} الأحكام المذكورة من شؤون الأيتام، وأحكام الأنكحة، وأحوال المواريث يعني من أول السورة إلى هنا {حُدُودُ اللَّهِ}؛ أي: أحكام الله سبحانه وتعالى التي حدها، وبينها، وشرَعَها لعباده، وسماها حُدَودًا؛ لكونها لا تجوز مجاوزتها، ولا يحل تعديها {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ويمتثلهما في جميع الأوامر، والنواهي التي منها قسمة المواريث {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} نصب على الظرفية عند الجمهور، وعلى المفعولية عِندَ الأخفش؛ أي: يسكنه بساتينَ {تَجْرِي} وتسيلُ {مِنْ تَحْتِهَا} أي من تحت قصورِها، وأشجارِها {الْأَنْهَارُ} من الماء واللبن، والخمر، والعسل {خَالِدِينَ فِيهَا} حالٌ من الهاء في {يُدْخِلْهُ}، وهي عائدة على مَنْ، وهو مفرد في اللفظ جمع في المعنى، فلهذا صح الوجهان؛ أي: حالةَ كونهم مقدرين - الخلود - في تلك الجنات، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها {وَذَلِكَ}؛ أي: دخولُ الجنة على وجه الخلود هو: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} والظفر الجسيم الذي: لا فوزَ وراءه، ولا يذكَرُ بجانبه الفوز بحظوظ الدنيا القصيرة المنغصة بالأكدار، والجنات التي تجري من تحتها الأنهار، نُؤَمن بها، ونعتقد أنها أرفع مما نَرى في هذه الدنيا، وليس لنَا أن نبحَثَ عن كيفيتها؛ لأنها من عالم الغيب.
واعلم: أن طاعةَ الله هي اتباع ما شرعه من الدين على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعةُ الرسول هي اتباع ما جاءَ به من الدين عن ربه، فطاعته هي بعينها طاعة الله، كما قال في هذه السورة {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} فهو إنما يأمرنا بما يوحيه إليه اللهُ بما فيه منافع لنا في الدنيا والآخرة، وإنما ذَكَرَها مع طاعة الله للإشارة إلى أنَّ الإنسان لا يستغني بعقله، وعلمه عن الوحي، وأنه لا بُدّ له من هداية الدين؛ إذ لم يكن العقل وحده في عَصْر في العصور كافيًا لهداية أمة، ولا مرقيًّا لها بدون معرفة الدين، فاتباعُ الرسل، والعملُ بهديهم هو أساس كلّ مدنية، والارتقاء المعنويُّ هو الذي يَبْعَثُ على الارتقاء الماديّ، فالآداب، والفضائل التي هي أسس المدنيات تستند كلها إلى الدين، ولا يكفي فيها بناؤها على العلم والعقل
14 - {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ويخالفهما، ولو في بعض الأوامر؛ بأن لم يرض بما قَسَم الله ورسوله {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ}؛ أي: يتجاوز أحكامه التي حدها