وَقَارِعَةٌ مِنَ الأَيَّامِ لَوْلَا ... سَبِيْلُهُمُ لَرَاحَتْ عَنْكَ حِيْنَا
وقال الآخر:
مَتَى نَقْرعْ بِمَرْأَتِكُمْ نَسُؤْكُمْ ... وَلَمْ يُوْ قَدْ لَنَا فِي الْقِدْرِ نَارُ
وقرأ الجمهور (?): {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)} بالرفع على أنها مبتدأ و {مَا} اسم استفهام للاستعظام والتعجيب، في محل الرفع مبتدأ ثان، و {الْقَارِعَةُ}: خبره والجملة خبر للأول كما تقدم تقريره في {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} وقال الزجاج: معنى الكلام التحذير، والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب، وأنشد قول الشاعر:
لَجَدِيْرُوْنَ بِالْوَفَاءِ إِذَا قَا ... لَ أَخَوُ النَّجْدَةِ السِّلَاحُ السِّلَاحُ
والحمل على معنى التفخيم والتعظيم أولى، ويؤيده وضع الظاهر موضع المضمر، فإنه أدل على هذا المعنى، ويؤيده أيضًا قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} فإنه تأكيد لشدة هولها ومزيد فظاعتها حتى كأنها خارجة عن دائرة علوم الخلق بحيث لا تنالها دراية أحد منهم. وقرأ عيسى بنصبها على تقدير: احذروا القارعة، أو اذكروا القارعة و {ما} زائدة للتوكيد، و {القارعة} تأكيد لفظي للأولى ذكره في "البحر".
والحاصل (?): أن القارعة من أسماء القيامة، كالحاقة مثلًا، سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بهولها كما تسمى الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعةً، قال تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}؛ أي: حادثة عظيمة تقرعهم وتصك أجسادهم فيألمون لها. {مَا الْقَارِعَةُ (2)}؛ أي: أي شيء هي القارعة، وهذا أسلوب يراد به تهويل أمرها، كأنها لشدة ما يكون فيها من الأهوال التي تفزع منه النفوس وتدهش لها العقول يصعب تصورها ويتعذر إدراك حقيقتها،
3 - ثم زاد أمرها تعظيمًا فقال: {مَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} و {ما} للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ، وجملة {أَدْرَاكَ} خبرها، {مَا الْقَارِعَةُ (3)} مبتدأ وخبر،