والجملة في محل النصب على أنها مفعول لـ {أَدْرَاكَ}، والمعنى أي: وأي شيء أعلمك يا محمد - من أيها المخاطب - ما شأن القارعة؟ فإن عظم شأنها بحيث لا تكاد تناله دراية أحد حتى يدرك بها,
4 - ولما كان هذا منبئًا عن وعد الكريم بإعلامها أنجز ذلك بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ}؛ أي: هي يوم يكون الناس، على أن يوم مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف، وفتحتُه فتحةُ بناء لإضافته إلى الفعل، إن كان مضارعًا على ما هو رأي الكوفيين. أو: اذكر يوم يكون الناس إلخ، فإنه يدريك ما هي.
وقرأ الجمهور (?): {يَوْمَ} بالنصب، وتخريجه كما ذكرنا، وقرأ زيد بن علي {يَوْمَ} برفع الميم على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وقتها يوم يكون الناس كالفراش المبثوث {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: جمع فراشة، وهي التي تطير وتتهافت على السراج فتحترق، والمبثوث: المفرق، وبه شبه فراشة القفل، وهو ما ينشب فيه، ولم يقل: المبثوثة، بل قال: المبثوث؛ لأن الكل جائز، كما في قوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} وقوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} كما مر بيان وجه ذلك.
والمعنى: هي - أي: القارعة - يوم يكون الناس كالفراش المفرق في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار، وبه يضرب المثل في الطيش والهوج، ويقال: أطيش من فراشة.
قال الشاعر:
فَرَاشَةُ الْحِلْمِ فِرْعَوْنُ الْعَذَابِ وَإِنْ ... يُطْلَبْ نَدَاهُ فَكَلْبٌ دُوْنَهُ كَلَبُ
وقال الآخر:
وَقَدْ كَانَ أَقْوَامٌ رَدَدْتُ حُلُوْمَهُمْ ... عَلَيْهِمْ وَكَانُوْا كَالْفَرَاشِ مِنَ الْجَهْلِ
وقال جرير:
إِنَّ الْفَرَزْدَقَ مَا عَلِمْتَ وَقَوْمَهُ ... مِثْلُ الْفَرَاشِ غَشَيْنَ نَارَ الْمُصْطَلِيْ
وهذا يدل على كثرة الفراش ولو في بعض المواضع، فسقط ما قال سعدي (?)