والمرعى في الأصل: موضع الرعي بالفتح، نسب الماء والمرعى إلى الأرض من حيث إنهما منها يظهران، وتجريد الجملة عن العاطف؛ لأنها بيان وتفسير لـ {دَحَاهَا}، أو تكملة له، فإن السكنى لا تتأتى بمجرد البسط والتمهيد، بل لا بد من تسوية أمر المعاش من المآكل والمشارب والملابس حتمًا.
والمعنى (?): أي فجّر منها العيون والينابيع والأنهار، وأنبت فيها النبات، سواء أكان قوتًا لبني آدم، كالحب والثمر، أم قوتًا للأنعام والماشية، كالعشب والحشيش.
32 - {وَالْجِبَالَ}: منصوب بمضمر يفسره قوله: {أَرْسَاهَا}؛ أي أثبتها وأثبت بها الأرض؛ لئلا تميد بأهلها، وهذا تحقيق للحق، وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسي، ليس من مقتضيات ذواتها، بل هو بإرسائه سبحانه وتعالى، ولولاه لما ثبتت في نفسا فضلًا عن إثباتها للأرض.
قيل: ولعل وجه تقديم ذكر الماء والمرعى على إرساء الجبال مع تقدم الإرساء عليه؛ للاهتمام بأمر المآكل والمشارب،
33 - وقوله تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)} (?) مفعول له لفعل محذوف بمعنى تمتيعًا، والأنعام جمع نعم بفتحتين، وهي المال الراعية بمعنى المواشي، وفي "الصحاح": وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، والمراد هنا: ما يكون علمًا للإبل والبقر والغنم، من الضأن والمعز، والتقدير: فعلنا ذلك تمتيعًا ومنفعةً لكم ولأنعامكم؛ لأن فائدة ما ذكر من البسط والتمهيد، إخراج الماء والرعى واصلة إليهم، وإلى أنعامهم، فإن المراد بالمرعى ما يعم ما يأكل الإنسان وغيره بناءً على استعارة الرعي لتناول المأكول على الإطلاق، كاستعارة المرسن للأنف، ولهذا قيل: دل الله تعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويستمع، مما يخرج من الأرض حتى الملح فإنه من الماء، قال العتبي: هذا أي قوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)} من جوامع الكلم؛ حيث ذكر شيئين دالين على جمع ما أخرج من الأرض قوتًا ومتاعًا للأنعام، من العشب والشجر، والحب والثمر، والملح والنار لأن النار من الشجر الأخضر، والملح من الماء، ونكتة الاستعارة: توبيخ المخاطبين المنكرين للبعث،