والإضافة يكفيها أدنى ملابسة المضاف إليه، ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطة الشمس؛ أي: أبرز ضوء شمسها، بتقدير المضاف، والتعبير عنه بالضحى؛ لأنه وقت قيام سلطانها، وكمال إشراقها،
30 - وتعاقب الليل والنهار، واختلاف الفصول التابع لحركة بعض السيارات يهيء الأرض للسكنى، ومن ثَمَّ قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ}؛ أي: بألفي عام؛ أي: بعدما ذكر من بناء السموات، ورفع سمكها وتسويتها {دَحَاهَا}؛ أي: دحى الأرض، وبسطها ومهدها لسكنى أهلها، وتقلبهم في أقطارها، وقد كانت الأرض مخلوقة غير مدحوة قبل ذلك، فلا معارضة بين هذه الآية وبين ما تقدم في سورة فصلت من قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)}، لأنه يمكن الجمع بينهما، بأنه سبحانه خلق الأرض غير مدحوة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، كما تقدم هنالك، فالآيتان ترشدان إلى أن الله تعالى خلق الأرض أولًا، ثم خلق السموات بعد ذلك، ثم عاد إلى الأرض فمهدها ودحاها، فآية السجدة حكاية للخلق الأول ومبدئه، وهذه الآية حكاية للإصلاح الذي كان بعد الخلق.
وقال بعض أهل العلم (?): إن {بَعْدَ} هنا بمعنى: مع، كما في قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} وقيل: {بَعْدَ} بمعنى قبل، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}، أي: من قبل القرآن، ولكن الجمع الذي ذكرناها أولى، وهو قول ابن عباس، وغير واحد من المفسرين، واختاره ابن جرير. وقرأ الجمهور (?) بنصب {الأرض} و {الجبال} على الاشتغال، وقرأ الحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال وعمرو بن ميمون ونصر بن عاصم برفعهما على الابتداء، وقرأ عيسى برفع {الأرض} فقط،
31 - ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من أمر المآكل والمشارب، وإمكان القرار عليها، فقال: {أَخْرَجَ مِنْهَا}؛ أي: من الأرض، {مَاءَهَا} بأن فجر منها عيونًا، وأجرى أنهارًا {و} أثبت منها {مَرْعَاهَا}، أي: رعيها بكسر أوله ونباتها الذي ترعاه الأنعام، وهو الكلأ،