السمك الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا، وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها، فيكون المراد: ثخنها وغلظها وهي أيضًا تلك المسيرة، وقال البغوي: رفع سمكها؛ أي: سقفها، ومعنى: {فَسَوَّاهَا}؛ أي: فجعلها مستوية الخلق، معدلة الشكل لا تفاوت فيها ولا اعوجاج، ولا فطور ولا شقوق.
ومعنى: {بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)}؛ أي: ضم أجزاءها (?) المتفرقة، وربطها بما يمسكها حتى حصل عن جمعها بنية واحدة، فقد أبدع في خلق الكواكب، وجعل كل كوكب منها على نسبة من الآخر، وجعل لكل منها ما يمسكه في مداره، حتى كان من مجموعها ما يشبه البناء، وهو ما نسميه بالسماء، وقد جعلها ذاهبة في العلو صعدًا، وعدلها فوضع كل جزاء منها في موضعه الذي يتسحقه، ويحسن أن يكون فيه.
29 - {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا}؛ أي: وجعل ليلها مظلمًا بمغيب كواكبها {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}؛ أي: وأبرز نهارها، وعبر عن النهار بالضحى؛ لأنه أشرف أوقاته وأطيبها، وفيه من انتعاش الأرواح ما ليس في سائرها، يقال: أغطشه الله إذا جعله مظلمًا، وأغطش الليل: إذا صار مظلمًا، فهو متعد ولازم، والأول هو المراد هنا؛ أي: جعله مظلمًا ذاهب النور.
فإن قيل: الليل اسم لزمان الظلمة الحاصلة بسب غروب الشمس، فقوله: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا}: يرجع معناه إلى أنه جعل المظلم مظلمًا، وهو بعيد، والجواب: معناه أن الظلمة الحاصلة في ذلك الزمان، إنما حصلت بتدبير الله وتقديره، فلا إشكال.
وعبارة "الروح": قوله: {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}؛ أي: أبرز نهارها، عبر عنه بالضحى، وهو ضوء الشمس، ووقت الضحى هو الوقت الذي تشرق فيه الشمس، ويقوم سلطانها؛ لأنه أشرف أوقاتها وأطيبها، على تسمية المحل باسم أشرف ما حل فيه، فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان، وهو السر في تأخير ذكره عن ذكر الليل، وفي التعبير عن إحداثه بالإخراج، فإن إضافة النور بعد الظلمة أتم في الإنعام، وأكمل في الإحسان.
وإضافة (?) الليل والضحى إلى السماء لدوران حدوثهما على حركتها،