صفحنا عن ذكرها، واخترنا سوق "الكشاف" فإنه هو الذي يقتضيه جزالة التنزيل.
قال الجرجاني (?): عطف {السابقات} بالفاء؛ لأنها مسببة من التي قبلها؛ أي: واللاتي يسبحن فيسبقن، تقول: قام فذهب، فهذا يوجب أن يكون القيام سببًا للذهاب، ولو قلت: قام وذهب بالواو .. لم يكن القيام سببًا للذهاب، قال الواحدي: وهذا غير مطرد في قوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)}؛ لأنه يبعد أن يجعل السبق سببًا للمتدبر. قال الرازي: ويمكن الجواب عما قاله الواحدي بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فتدبرت ما أمرت بتدبيره، فتكون هذه أفعالًا يتصل بعضها ببعض، كقوله: قام زيد فذهب، ولما سبقوا في الطاعات وسارعوا إليها .. ظهرت أمانتهم، ففوض إليهم التدبير، ويجاب عنه بأن السبق لا يكون سببًا للتدبير، كسببية السبح للسبق والقيام للذهاب، ومجرد الاتصال لا يوجب السببية والمسببية، والأولى أن يقال: العطف في {المدبرات} طوبق به ما قبله من عطف {السابقات} بالفاء، ولا يحتاج إلى نكتة كما احتاج إليها ما قبله؛ لأن النكتة إنما تطلب لمخالفة اللاحق للسابق، لا لمطابقته وموافقته. ومعنى تدبير الملائكة للأمر: نزولها بالحلال والحرام وتفصيلهما، والفاعل للتدبير في الحقيقة، وإن كان هو الله عزّ وجلّ، لكن لما نزلت الملائكة به وصفت به، وقيل: إن الملائكة لما أمرت بتدبير أهل الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك .. قيل لها: مدبرات. قال عبد الرحمن بن ساباط: تدبير أمر الدنيا إلى أربعة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وعزرائيل، وإسرافيل؛ فأما جبريل .. فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل: فموكل بالقطر والنبات، وأما عزرائيل: فموكل بقبض الأرواح، وأما إسرافيل: فهو ينزل بالأمر من الله عليهم، وليس في الملائكة أقرب منه.
6 - وقوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)} ظرف متعلق بجواب القسم المقدر، وهو: لتبعثن، أو باذكر مقدرًا، والمراد بالرجفة: النفخة الأولى التي ترجف عندها الأجرام الساكنة، كالأرض والجبال؛ أي: أقسمت لكم بالأمور السابقة، لتبعثن يا كفار مكة يوم ترجف الراجفة؛ أي: يوم تتحرك النفخة الأولى لإماتة الأحياء حركة شديدة، وتزلزل زلزلة عظيمة من هول ذلك اليوم، أسند (?) إليها الرجف مجازًا على