لوازم الإسراع، فالسبق هنا لا يستلزم وجود المسبوق؛ إذ لا مسبوق هنا.
وفي "الشوكاني": {وَالسَّابِحَاتِ}: الملائكة، تسبح في الأبدان لإخراج الروح، كما يسبح الغواص في البحر لإخراج شيء منه، وقال مجاهد: {السابحات}: الموت يسبح في نفوس بني آدم، وقيل: هي الخيل السابحة في الغزو، ومنه قول عنترة:
وَالْخَيْلُ تُعْلَمُ حِيْنَ تَسْـ ... ـبَحُ فِيْ حِيَاضِ الْمَوْتِ سَبْحَا
وقال قتادة والحسن: هي النجوم تسبح في أفلاكها، كما في قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، وقال عطاء: هي السفن تسبح في الماء، وقيل: هي أرواح المؤمنين تسبح شوقًا إلى الله. {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)}: هم الملائكة على قول الجمهور كما سلف، قال مسروق ومجاهد: تسبق الملائكة الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، وقال أبو روق: هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، وقال مقاتل: هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، وقيل: غير ذلك من الأقوال المتلاطمة.
5 - وقوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} (?) معطوف على {السابقات} بالفاء؛ للدلالة على ترتب التدبير على السبق بغير تراخ، والتدبير: التفكر في دبر الأمور وعواقبها، و {أَمْرًا}: مفعول به لـ {لمدبرات}. قال الراغب: يعني: الملائكة الموكلين بتدبير الأمور. انتهى؛ أي: التي تدبر أمرًا من الأمور الدنيوية والأخروية للعباد، كما رسم لهم من غير تفريط ولا تقصير، والمقسم عليه محذوف لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة.
والمعنى: أقسم بالملائكة التي تدبر أمرًا من أمور العباد، لتبعثن بعد الموت للمجازاة. وجه الدلالة: أن الموت يستدعي البعث للأجر والجزاء؛ لئلا يستمر الظلم والجور في الوجود: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، فكان الله تعالى يقول: إن الملائكة ينزلون لقبض الأرواح عند منتهى الآجال، ثم ينجر الأمر إلى البعث لما ذكر، فكان من شأن من يقر بالموت أن يقر بالبعث، فلذا جمع بين القسم بـ {النازعات} وبين البعث الذي هو الجواب، وفي عنوان هذه السورة وجوه كثيرة