فإنهم لم يقولوا في الدنيا صوابًا، بل تفوهوا بكلمة الكفر والشرك. وإظهار {الرَّحْمَنُ} (?) في موضع الإضمار؛ للإيذان بأن مناط الإذن هو الرحمة البالغة، لا أن أحدًا يستحقه عليه تعالى.
وحاصل المعنى (?): أن الملائكة على جلالة أقدراهم، ورفيع درجاتهم، لا يستطيعون أن يتكلموا في هذا اليوم إجلالًا لربهم، ووقوفًا عند أقدارهم، إلا إذا أذن لهم ربهم، وقالوا قولًا صدقًا وصوابًا، وفي الآية دلالة على أنهم مع قربهم من ربهم لا يستطيع أحد منهم أن يشفع لأحد، أو يطلب منحة إلا من بعد أن يأذن له ربه، ولا يأذن إلا لمن علم أنه سيجاب له؛ لأنه يقول الصواب، وإنما يكون الكلام ضربًا من التكريم لمن يؤذن له، ويختص به، ولا أثر له فيما أراده ألبتة. والملائكة مخلوقات غيبها الله سبحانه عنا، ولم يجعل لنا قدرة على رؤيتها، فعلينا أن نؤمن بها، وإن لم نرها، ونصدق بما جاء في كتابه من أوصافه غير باحثين عن حقيقتها،
39 - وبعد أن ذكر أحوال المكلفين في درجات الثواب والعقاب، وبين عظمة يوم القيامة .. أردف ذلك ببيان أن هذا اليوم حق لا ريب فيه، فقال: {ذَلِكَ} (?) إشارة إلى يوم قيامهم على الوجه المذكور، ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده؛ أي: ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير قادرين هم ولا غيرهم على التكلم من الهيبة والجلال. {الْيَوْمُ الْحَقُّ}؛ أي: الثابت المتحقق لا محالة من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، وذلك لأنه متحقق علمًا، فلا بد أن يكون متحققًا وقوعًا، كالصباح بعد مضي الليل، وفيه إشارة إلى أنه واقع ثابت في جميع الأوقات والأحايين، ولكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنفس الملهية وهواها الشاغل، والفاء في قوله: {فَمَنْ شَاءَ} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطًا، وكون مفعولها مضمون الجزاء، وانتفاء الغرابة في تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة، وقوله: {اتَّخَذَ} جواب الشرط، و {إِلَى رَبِّهِ} متعلق بقوله: {مَآبًا}؛ أي: مرجعًا، قدم عليه اهتمامًا به، ورعاية للفواصل. وقال قتادة: {مَآبًا}؛ أي: سبيلًا، وتعلق الجار والمجرور به لما فيه من معنى الاقتضاء والإيصال، والتقدير: إذا كان الأمر كما ذكر