المرحوم، وهو بالجر: صفة للرب، وقيل: للأول، وأيًا ما كان، ففي ذكر ربوبيته تعالى للكل، ورحمته الواسعة إشعار بمدار الجزاء المذكور، قال الغاشاني: أي: ربهم المعطي ذلك العطاء هو الرحمن؛ لأن عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة، فمشربه من اسم الرحمن دون غيره.
وقوله: {لَا يَمْلِكُونَ}؛ أي: لا يملك أهل السموات والأرض {مِنْهُ خِطَابًا}؛ أي: خطابه تعالى في شيء ما، استئناف (?) مقرر لما أفادته الربوبية العاة من غاية العظمة والكبرياء، واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء، من غير أن يكون لأحد قدرة عليه، وضمير {لَا يَمْلِكُونَ} لأهل السموات والأرض، و {مِنْ} في قوله: {مِنْه} صلة للتأكيد على طريقة قولهم: بعت منك؛ أي: بعتك، يعني: أنه صلة خطابًا، قدم عليه فانقلب بيانًا.
والمعنى: لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم، كما ينبىء عنه لفظ الملك؛ إذ المملوك لا يستحق على مالكه شيئًا، خطابًا ما في شيء ما؛ لتفرده بالعظمة والكبرياء، وتوحده في ملكه بالأمر والنهي والخطاب، والمراد: نفي قدرتهم على أن يخاطبوه تعالى بشيء من نقص العذاب، وزيادة الثواب من غير إذنه على أبلغ وجه وآكده، كأنه قيل: لا يملكون أن يخاطبوه بما سبق من الثواب والعقاب، وبه يحصل الارتباط بين هذه الآية وبين ما قبلها من وعيد الكفار، ووعد المؤمنين، ويظهر منه أن نفي أن يملكوا خطابه لا ينافي الشفاعة بإذنه.
وقيل: إن الضمير (?) في قوله: {لَا يَمْلِكُونَ} عائد على المشركين، قاله عطاء عن ابن عباس؛ أي: لا يخاطب المشركون الله، أما المؤمنون .. فيشفعون ويقبل الله ذلك منهم، وقيل: عائد على المؤمنين؛ أي: لا يملكون أن يخاطبوه في أمر من الأمور لعلمهم أن ما يفعله عدل منه، وقرأ عبد الله (?) وابن أبي إسحاق والأعمش وابن محيصن: وابن عامر وعاصم: {رَبِّ} و {الرَّحْمَنِ} بالجر، وقرأ الأعرج وأبو جعفر وشيبة وأبو عمرو والحرميان نافع وابن كثير برفعهما، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي: {رَبِّ} بالجر، و {الرحمن} بالرفع، وهي قراءة الحسن وابن وثاب والأعمش وابن محيص بخلاف عنهما، فالجر على البدل من {رَبِّكَ}، و {الرَّحْمَنِ}