لإمكان العطف من غير ضعف؛ أي: إذا كان حالهم في الآخرة كذلك فذرني؛ أي: دعني واتركني ومن يكذب بالقرآن وخلّ بيني وبينه، ولا تشغل قلبك بشأنه، وتوكل عليّ في الانتقام منه، فإنّي عالم بما يستحقه من العذاب، ويطيق له وكافيك أمره. يقال: ذرني وإيّاه يريدون كله إلى فإني أكفيك. قال في "فتح الرحمن": وعيد ولم يكن ثمّة مانع ولكنه كما تقول: دعني مع فلان؛ أي: سأعاقبه. والمراد بالحديث هنا القرآن؛ لأنَّ كلَّ كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له: حديث.
والمعنى (?): كِلْ أيها الرسول أمر هؤلاء المكذّبين بالقرآن إليَّ ولا تشغل قلبك بشأنهم، فأنا أكفيك أمرهم، وهذا كما يقول القائل لمن يتوعد رجلًا: دعني وإياه وخلّني واياه، وأنا أعلم بمساءته والانتقام منه، وفي هذا تسلية لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتهديد للمشركين، كما لا يخفى. والخلاصة: حسبك انتقامًا منهم أن تأكل أمرهم إليّ، وتخليَ بيني وبينهم.
ثم بين كيف يكون ذلك التعذيب المستفاد إجمالًا من الكلام السابق، فقال: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ}؛ أي: سنتنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالإحسان وإدامة الصحة وازدياد النعمة حتى نوقعهم فيه. فاستدراج (?) الشخص إلى العذاب عبارة عن هذا الاستنزال والاستدناء، يقال: استدرجه إلى كذا إذا استنزله إليه درجة درجة حتى يورطه فيه. {مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}؛ أي: من الجهة التي لا يشعرون أنّه استدراج، وهو الإنعام عليهم؛ لأنّهم يحسبونه إيثارًا لهم وتفضيلًا على المؤمنين، وهو سبب لهلاكهم في العاقبة. وهذه الجملة (?) مستأنفة مسوقة لبيان كيفية التعذيب لهم المستفاد من قوله: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} والضمير عائد إلى {مَنْ} باعتبار معناها، والمعنى: سنأخذهم بالعذاب على غفلة، ونسوقهم إليه درجة فدرجة حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج؛ لأنّهم يظنونه إنعامًا ولا يفكرون في عاقبته وما سيلقون في نهايته. قال سفيان الثوري: يسبغ عليهم النعم، وينسيهم الشكر. وقال الحسن: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه،