وكم من مغرور بالستر عليه. والاستدراج: ترك المعاجلة، وأصله: النقل من حال إلى حال.
وفي الحديث: "إذا رأيت الله ينعم على عبد، وهو مقيم على معصيته، فاعلم أنه مستدرج، وتلا هذه الآية. وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "من وسع عليه دنياه، فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع من عقله". قال بعض أهل المعرفة من المكر الإلهي بالعبد أن يرزق العلم ويحرم العمل به أو يرزق العمل ويحرم الإخلاص فيه، فمن علم اتصافه بهذا من نفسه فليعلم أنه ممكور به، وأخفى ما يكون المكر الإلهي في المتأولين من أهل الاجتهاد وغيرهم، ومن يعتقد أن كل مجتهد مصيب يدعو الناس على بصيرة وعلم قطعي. ونحو الآية قوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)}، وقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}.
45 - ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين، فقال: {وَأُمْلِي لَهُمْ}؛ أي: وأمهلهم بإطالة العمر، وتأخير الأجل ليزدادوا إثمًا وهم يزعمون أنّ ذلك لإرادة الخير بهم. {إنَّ كَيْدِي} بالإمهال المؤذي إلى العذاب {مَتِينٌ} أي: قويّ شديد لا يطاق، ولا يدفع بشيء.
والمعنى: أمهلهم وأؤخرهم وأنسىء في آجالهم ملاوة ومدة من الزمان على كفرهم، وتمردهم عليَّ لتتكامل حججي عليهم، وإنّ كيدي لأهل الكفر لقوي شديد. وسمى سبحانه إحسانه إليهم كيدًا. والكيد: ضرب من الاحتيال لكونه في صورته من قبل أنه تعالى يفعل بهم ما هو نفع لهم ظاهرًا، وهو يريد الضرر لما علم من حيث طويتهم، وسوء استمدادهم وتماديهم في الكفر وتدسيتهم أنفسهم بالآثام والمعاصي.
وفي "الصحيحين" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)}.
وفي "الكشاف": سمي إحسانه وتمكينه لهم كيدًا كما سمّاه استدراجًا لكونه في صورة الكيد، حيث كان سببًا للتورط في الهلكة، ووصفه بالمتانة لقوة أثر