[44]

كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء". قالوا؛ أي: السجود. أو ضمنًا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم". وبدعوة علماء كل عصر ومن أعظم الدعوة إلى السجود أذان المؤذنين وإقامتهم، فإن قولهم: حي على الصلاة دعوة بلا مرية، فطوبى لمن أجاب دعوتهم بطوع لا بإكراه امتثالًا لقوله تعالى: {أجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}. والجملة حال من ضمير {يُدْعَوْنَ}، وجملة قوله: {وَهُمْ سَالِمُونَ} حال من مرفوع يدعون الثاني؛ أي: أصحاء في الدنيا معافون من العلل، سلمت أعضاؤهم ومفاصلهم من الآفات والعلل، متمكنون من الفعل وأداء السجدة وقبول الدعوة أقوى تمكن؛ أي: فلا يجيبون إليه، ويأبونه. وإنما ترك ذكره ثقة بظهوره. وفي الآية وعيد لمن ترك الصلاة المفروضة أو تخلف عن الجماعة المشروعة. قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادع الله أن يرزقني مرافقتك في الجنة، فقال: أعني بكثرة السجود. وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتهم التكبيرة الأولى مع الإِمام، وسبعة أيام إذا فاتهم الجماعة.

والمعنى (?): يدعون إلى السجود، وتكون أبصارهم خاشعة وتغشاهم ذلة في ذلك اليوم، وقد كانوا في الدنيا متكبرين متجبرين، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه في الدنيا {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}؛ أي: إنهم لمّا دعوا إلى السجود في الدنيا، فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامة أبدانهم عوقبوا في الآخرة بعدم قدرتهم عليه، فإذا تجلى الرب سجد له المؤمنون ولم يستطع أحد من الكافرين والمنافقين أن يسجد، بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا، فكلّما همّ السجود خرّ لقفاه بعكس السجود في الدنيا. وقال النخعي، والشعبيّ: المراد بالسجود الصلوات المفروضة. وقال آخرون: إنّ المراد جميع العبادات.

44 - والفاء في قوله: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت حالهم في الدنيا والآخرة، وأردت بيان ما هو اللازم لك فأقول لك: ذرني ومن يكذب .. إلخ. و {مَنْ} (?) الموصولة في محل النصب على أنه معطوف على ضمير المتكلم أو على أنّه مفعول معه، وهو مرجوح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015