يثبت فيه. وفيه حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الإِيمان والكفر يستقل بعملهما العبد، وهم القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته، يعني: هم الذين يزعمون أن كل عبد خالق لفعله، ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله. وسموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه. وقيل: لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد، وليس بشيء؛ لأن المناسب حينئذٍ القدري بضمّ القاف.

وقرأ الجمهور (?): {كَتَبَ} مبنيًا للفاعل {فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} نصبًا على المفعولية؛ أي: كتب الله. وقرأ أبو حيوة، وزرّ بن حبيش، والمفضل عن عاصم: {كُتِبَ} مبنيًا للمفعول، ورفع {الْإِيمَانُ} على النيابة.

والمعنى: أي أولئك الذين لا يوادون مَنْ حاد الله ورسوله أثبت (?) الله سبحانه في قلوبهم الإِيمان، والإيمان نعمة عظيمة لا تحصل لمن يواد من حاد الله ورسوله. وفي هذا مبالغة عظيمة في الزجر عن موادة أعداء الله.

ثم ذكر سببًا آخر يمنع من موادتهم، فقال: {وَأَيَّدَهُمْ}؛ أي: قواهم الله سبحانه. وأصله: قوَّى يدهم {بِرُوحٍ مِنْهُ}؛ أي (?): من عند الله تعالى. و {مِنْ} لابتداء الغاية، وهو نور القرآن، أو النصر على العدوّ؛ أي: قوَّى يدهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا. وسمى نصره لهم روحًا لأن به يحيا أمرهم. وقيل: هو نور القلب. وهو بإدراك حقيقة الحال، والرغبة في الارتقاء إلى المدارج الرفيعة الروحانية، والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية. وكل ذلك سمي روحًا لكونه سببًا للحياة. وقيل: بجبريل. وقيل: برحمة. وقيل (?): الضمير للإِيمان؛ فإنه سبب لحياة القلب.

أي: إنه قوَّاهم بطمأنينة القلب، والثبات على الحق. فلا يبالون بموادة أعداء الله، ولا يأبهون لهم.

ثم ذكر ما أعده لهم من النعيم المقيم، فقال: {وَيُدْخِلُهُمْ} في الآخرة {جَنَّاتٍ} وبساتين {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015