بنفي الوجدان: نفي الموادة على معنى أنه لا ينبغي أن يتحقق ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وإن جد في طلبه كل أحد، وجعل ما لا ينبغي وجوده غير موجود لشركته في فقد الخير. ويجوز أن يقال: لا تجد قومًا كاملي الإيمان على ما يدل عليه سياق النظم، فعدم الوجدان على حقيقته.
أي: لا تجد يا محمد، أو أيها المخاطب قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان، موادين ومحبين من حاد الله ورسوله، وخالفهما في أوامرهما ونواهيهما {وَلَوْ كَانُوا}؛ أي: من حاد الله ورسوله. والجمع باعتبار معنى {مَنْ} كما أن الإفراد فيما قبله باعتبار لفظها. {آبَاءَهُمْ}؛ أي: آباء الموادين {أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} قدم الأقدم حرمة ثم الأحكم محبة {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} نسبًا {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}؛ أي: أقاربهم؛ أي: ولو كان المحادون لله ورسوله آباء الموادين .. إلخ، فإن الإيمان يزجر عن ذلك، ويمنع منه، ورعايته أقوى من رعاية الأبوة والبنوة والأخوة والعشيرة.
والمعنى (?): أي لا تجد قومًا يجمعون بين الإيمان بالله واليوم الآخر، ومودة أعداء الله ورسوله؛ لأن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكافرين، إذ من كان مؤمنًا حقًا لا يوالي كافرًا، فمن أحب أحدًا .. امتنع أن يوالي عدوه. والمراد من موالاته: مناصحته وإرادة الخير له في الدِّين والدنيا. أما المخالطة والمعاشرة: فليست بمحظورة، ولقد أصاب المسلمين اليوم من ذلك بلاءً شديد، فإنا نرى الأمم الإِسلامية أصبحت في أخريات الأمم، ويصادقون الأفارج والنصارى، وينصرونهم على أبناء جنسهم، ويقتدون بهم في عاداتهم وأخلاقهم، ولو كان في ذلك ذل لهم ولدينهم وأمتهم، ولن تزول هذه الغفلة إلا بالاستشعار بالعزة الدينية والكرامة القومية، والدفاع عن حوزة الدِّين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. ثم بالغ في الزجر، وأبان أنه لا ينبغي لمؤمن أن يفعل ذلك ولو مع الأقارب، كالآباء الذين يجب طاعتهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف، أو الأبناء الذين هم فلذات الأكباد، أو الإخوان الذين هم الناصرون لهم، أو العشيرة الذين يعتمد عليهم بعد الإخوان.
والخلاصة: أنه لا يجتمع إيمان مع موادة أعداء الله؛ لأن من أحب أحدًا .. امتنع من محبة عدوه، فإذا حصل في القلب مودّة أعداء الله .. لم يحصل فيه