المقدور؟
أجيب: بأنه تعالى علَّمَهُ الحق أولًا، ووهب له إرادةً جزئية يقدر بها على اختيار شيء، فله الاختيار السابق على إرادة الله تعالى، ووجود الاختيار في الفاعل المختار أمر يطلع عليه كل أحد حتى الصبيان، والله أعلم.
10 - ثم بين سبحانه أن ما يفعله اليهود والمنافقون من التناجي هو من جهة الشيطان، فقال: {إِنَّمَا النَّجْوَى} المعهودة التي هي التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول بقرينة قوله: {لِيَحْزُنَ}. ولأن {أل} فيه للعهد. {مِنَ الشَّيْطَانِ} لا من غيره، فإنه المزين لها، والحامل عليها فكأنها منه؛ أي: من تزيينه وتسويله. {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} خبر آخر (?). من الحُزن - بضم - فسكون متعد من الباب الأول، من الحَزَن بفتحتين لازمًا من الباب الرابع؛ كقوله تعالى: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)}. فيكون الموصول مفعوله. قال الراغب: والحُزن: خشونة في النفس، لما يحصل فيها من الغمّ، ويضاده الفرح.
والمعنى: إنما هي ليجعل الشيطانُ المؤمنين محزونين بتوهمهم أنهم في نكبة أصابتهم في سيرتهم، يعني: أن غزاتهم غلبوا، وأن أقاربهم قتلوا متألمين، بذلك فاترين في تدبير الغزو، إلى غير ذلك مما يشوش قلوب المؤمنين. وفي الحديث: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما إلا بإذنه؛ فإن ذلك يحزنه". متفق عليه.
{وَلَيْسَ}؛ أي: الشيطان أو التناجي {بِضَارِّهِمْ}؛ أي: بالذي يضر المؤمنين {شَيْئًا} من الأشياء أو شيئًا من الضرر {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ سبحانه وتعالى، أي: إلا بمشيئته وإرادته؛ أي: ما أراده من حزن أو وسوسة. وفي "الكشاف" {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: بمشيئته، وهو: أن يقضي الموت على أقاربهم أو الغلبة على الغزاة.
والمعنى: أي إنما فعل ذلك ليسوء المؤمنين بإيهامهم أن ذلك في نكبة أصابتهم وليس الشيطان بضار المؤمنين شيئًا إلا بإرادة الله ومشيئته.
{وَعَلَى اللَّهِ} سبحانه خاصة {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أي: فليعتمد المؤمنون عليه