بعض الأنبياء قد عصاه أمته وآذوه، ولم يعجل تعذيبهم لحكمة ومصلحة، علمها عند الله تعالى، انتهى.
ثم إن الله سبحانه يستجيب دعاء الرسول عليه السلام، كما روي: أن عائشة رضي الله عنها سمعت قول اليهود، فقالت: عليكم السام والذام واللعن، فقال عليه السلام: "يا عائشة ارفقي؛ فإن الله يحب الرفق في كل شيء، ولا يحب الفحش والتفحش، أما سمعت ما رددت عليهم فقلت: عليكم، فيستجاب لي فيهم".
والمعنى: أي يفعلون ذلك، ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام، وهم يريدون شتمه، ويحدثون أنفسهم أنه لو كان نبيًا حقًا لعذبنا الله بما نقول؛ لأن الله يعلم ما نسره، فلو كان نبيًا حقًا .. لعاجلنا بالعقوبة في الدنيا، فرد الله عليهم بقوله: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} أي: وإن جهنم وما فيها من العذاب الأليم لكافية لعقابهم ونكالهم، وقد أجّل عذابهم إلى هذا اليوم.
9 - ثم قال تعالى مؤدبًا عباده المؤمنين: أن لا يكونوا مثل اليهود والمنافقين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بألسنتهم وقلوبهم {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} وتحدثتم في أنديتكم وخلواتكم {فَلَا تَتَنَاجَوْا}؛ أي: لا تتحدثوا {بِالْإِثْمِ} والكذب، والمكر، والكيد بالرسول - صلى الله عليه وسلم - {و} لا بـ {الْعُدْوَانِ} على المؤمنين باللمز والطعن والتعيير بهم {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} أي: ولا بمعصية الرسول ومخالفته، كما يفعله المنافقون واليهود. ثم بين لهم ما يتناجون به في أنديتهم وخلواتهم فقال: {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ} أي: بما يتضمن خير المؤمنين {وَالتَّقْوَى} أي: وبما يتضمن الإتقاء عن معصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال سهل رحمه الله: وتناجوا بذكر الله وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وقرأ الجمهور (?): {فَلَا تَتَنَاجَوْا}. وأدغم ابن محيصن التاء في التاء وقرأ الكوفيون، والأعمش، وأبو حيوة، وروش: {فلا تنتجوا} مضارع انتجى. وقرأ الجمهور بضم عين {العدوان}، وأبو حيوة بكسرها حيث وقع. وقرأ الضحاك: {ومعصيات الرسول} بالجمع، والجمهور على الإفراد. وقرأ عبد الله: {إذا انتجيتم