{ثُمَّ يَعُودُونَ} ويرجعون {لِمَا نُهُوا عَنْهُ} من تلك النجوى مرة بعد مرة إيقاعًا للحزن في قلوب المؤمنين، وإيهامًا لهم بأنّهم يتشاورون عليهم وهؤلاء هم من تقدم ذكرهم من اليهود والمنافقين، كانوا يتناجون فيما بينهم، ويتحلقون ثلاثة وخمسة ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عادوا لمثل فعلهم والخطاب (?) للرسول - صلى الله عليه وسلم - و {الهمزة}: للتعجب من حالهم، وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة. قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: خرج - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ونحن نتحدث، فقال: "ما هذه النجوى، ألم تنهوا عن النجوى"؟ فقلنا: تبنا إلى الله إنا كنا في حديث الدجال، قال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم منه؟ والشرك الخفي" يعني: المراءاة.
{وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ}؛ أي: بما هو إثم في نفسه، كالكذب {وَالْعُدْوَانِ} للمؤمنين {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ}؛ أي: ومخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وهو معطوف على قوله: {يَعُودُونَ}، داخل في حكمه، وبيان لما نهوا عنه لضرره في الدين؛ أي: يتحدثون سرًا بما هو إثم في نفسه، وعدوان للمؤمنين، وتواص بمعصية الرسول. والعدوان: الظلم والجور، والمعصية: خلاف الطاعة، كما سيأتي.
فائدة: رسمت {معصيت} هذه والتي بعدها بالتاء المبسوطة، وإذا وقف عليها فأبو عمرو، وابن كثير والكسائي يقفون بالهاء، غير أن الكسائي يقف بالإمالة على أصله، والباقون يقفون بالتاء على الرسم، واتفقوا في الوصل على التاء. اهـ. "خطيب".
وقرأ الجمهور (?): {يتناجون} بوزن يتفاعلون، واختار هذه القراءة أبو عبيدة، وأبو حاتم لقوله فيما بعد: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا}. وقرأ حمزة، وخلف، وورش عن يعقوبـ {وينتجون} بوزن يفتعلون مضارع {انتجى} وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه. وحكى سيبويه: أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد، نحو: تخاصموا واختصموا، وتقاتلوا واقتتلوا. وقرأ الجمهور {وَمَعْصِيَتِ} بالإفراد. وقرأ الضحاك وحميد ومجاهد: {ومعصيات} بالجمع.