أمر الخلافة شورى بين ستة؛ أي: على أن يكون أمر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم. قال الفراء: العدد غير مقصود؛ لأنه سبحانه مع كل عدد قل أو كثر يعلم السر والجهر، لا تخفى عليه خافية، ولذا عمم الحكم، فقال: {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ ...} إلخ؛ أي: ولا يكون نجوى عدد أقل مما ذكر من الثلاثة كالاثنين والواحد، فإن الواحد أيضًا يناجي نفسه {وَلَا} نجوى {أَكْثَرَ} من ذلك المذكور من الخمسة كالستة والسبعة {إِلَّا هُوَ} سبحانه {مَعَهُمْ}؛ أي: مع المتناجين بالعلم والسماع، يعلم ما يتناجون به، ولا يخفى عليه ما هم فيه، فكأنه مشاهدهم، ومحاضرهم، تعالى الله عن المشاهدة والحضور معهم حضورًا جسمانيًا. ومما يدل على أن المراد بالمعية، معية العلم لا معيّة الذات: أنه تعالى بدأ الآية بالعلم، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ}. {أَيْنَ مَا كَانُوا}؛ أي: في أي مكان كانوا فيه من الأماكن، ولو كانوا تحت الأرض، فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة قربًا وبعدًا.
وفي "كشف ما يلتبس من القرآن": إن قلت: لِمَ خص (?) الثلاثة والخمسة بالذكر؟
قلت: لأن قومًا من المنافقين تحلقوا للتناجي فيما بينم، يوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيحزنون لذلك، وكانوا بعدة العدد المذكور، فلما طال ذلك، وكثر .. شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله هذه الآيات بصفة حالهم عند تناجيهم. أو لأن الفرد أشرف من الزوج؛ لأنه الله تعالى، وتر يحب الوتر، فخصص العددان المذكوران بالذكر تنبيهًا على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور، ثم بعد ذكرهما زيد عليهما ما يعم غيرهما من المتناجين بقوله: {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ} تعميمًا للفائدة، انتهى بزيادة فيه.
وقرأ الجمهور: {وَلَا أَكْثَرَ} بالجر بالفتحة عطفًا على لفظ {نَجْوَى}. وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، والأعمش، وأبو حيوة، وسلام، ويعقوب، وأبو العالية، ونصر، وعيسى بن عمر بالرفع عطفًا على محل {نَجْوَى} إن أريد به