أي: ما يقع تناجي ثلاثة نفر ومسارّتهم {إِلَّا هُوَ} سبحانه وتعالى {رَابِعُهُمْ}؛ أي: جاعلهم أربعة من حيث إنه تعالى يشاركهم في الاطلاع عليها، كما قال الحسين النوري: إلا هو رابعهم علمًا وحكمًا، لا نفسًا وذاتًا. وهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال؛ أي: ما يوجد في حال من الأحوال إلا في هذه الحال. وفي الكلام اعتبار التصيير. قال النصر أبادي: من شهد معيّة الحق معه .. زجره عن كل مخالفة وعن ارتكاب كل محذور، ومن لا يشاهد معيته .. فإنه متخط إلى الشبهات والمحارم.
وقرأ الجمهور (?): {يَكُونُ} بالتحتية، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، والأعرج وأبو حيوة بالفوقية نظرًا إلى تأنيث النجوى، والتذكير على قراءة العامة؛ لأنه مسند إلى {مِنْ نَجْوَى} وهو يقتضي الجنس، وذلك مذكر، وليس الأكثر في هذا الباب التذكير؛ لأن {من} زائدة، فالفعل مسند إلى مؤنث، فالأكثر التأنيث، وهو القياس. قال تعالى: {مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ}، {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ}. و {نَجْوَى}: احتمل أن تكون مصدرًا مضافًا إلى {ثَلَاثَةٍ}؛ أي: من تناجي ثلاثة، أو مصدرًا على حذف مضاف؛ أي: من ذوي نجوى، أو مصدرًا أطلق على الجماعة المتناجين؛ أي: ما يكون من جماعة متناجين. فـ {ثَلَاثَةٍ} على هذين التقديرين قال ابن عطية: بدل أو صفة. وقرأ ابن أبي عبلة ثلاثة وخمسة بالنصب على الحال، والعامل {يتناجون} مضمرة، يدل عليه {نَجْوَى}. قال الفراء (?): {ثَلَاثَةٍ} نعت للنجوى فانخفضت وإن شئت أضفت {نَجْوَى} إليها، ولو نصبت على إضمار فعل .. جاز، وهي قراءة ابن أبي عبلة. ويجوز رفع ثلاثة على البدل من موضع نجوى.
{وَلَا خَمْسَةٍ}؛ أي: ولا نجوى خمسة نفر {إِلَّا هُوَ} سبحانه {سَادِسُهُمْ}؛ أي: إلا وهو تعالى جاعلهم ستة في الاطلاع على ما وقع بينهم. وتخصيص (?) العددين بالذكر لخصوص الواقعة؛ لأن المنافقين المجتمعين في النجوى كانوا مرة ثلاثة وأخرى خمسة، ويقال: إن التشاور غالبًا إنما يكون من ثلاثة إلى ستة ليكونوا أقل لفظًا وأجدر رأيًا وأكتم سرًا، ولذا ترك عمر رضي الله عنه حين علم بالموت