الأمور، فالشهيد بمعنى الشاهد، من الشهود بمعنى الحضور. فالعاقل لا بد له من استحضار الذنوب، والبكاء عليها، وطلب التوبة من الله تعالى الذي يحصي كل شيء، ولا ينساه، قبل أن يجيء يوم يفتضح فيه المصرّ على رؤوس الأشهاد، ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد.
ومعنى الآية (?): أي واذكر لهم - أيها الرسول - حالهم يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيخبرهم بما كسبت أيديهم تشهيرًا لهم وخزيًا على رؤوس الأشهاد، والله قد حفظه وضبطه، وهم قد نسوه، والله شهيد على كل شيء، فلا يغيب عنه شيء ولا ينسى شيئًا، وفي هذا شديد الوعيد والتقريع العظيم ليعرفوا أن ما حاق بهم من العذاب إنما كان من جزاء أعمالهم وقبيح أفعالهم.
7 - ثم أكد ما سبق من إحاطة علمه تعالى بكل شيء، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} والاستفهام فيه تقريري. وفي "الروح": {الهمزة}: فيه للإنكار المقرر بالرؤية لما أن الإنكار نفي معنيٌّ، ونفي النفي يقرر الإثبات، فتكون الرؤية ثابتة مقررة. والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو لكل من يستحق الخطاب.
والمعنى (?): ألم تعلم علمًا يقينيًا بمرتبة المشاهدة أنه تعالى يعلم ما في السماوات وما في الأرض من الموجودات، سواء كان بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما.
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية. كانوا يومًا يتحدثون فقال أحدهم: أترى الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضًا، وقال الثالث: إن كان يعلم بعضه فهو يعلم كله - وصدق؛ لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقد علمها كلها؛ لأنَّ كونه عالمًا بغير سبب ثابت له مع كل معلوم - فنزلت الآية.
وجملة قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} إلخ، مستأنفة لتقرير شمول علمه، وإحاطته بكل المعلومات. و {ما} نافية، و {يَكُونُ} تامة، بمعنى: يوجد ويقع. و {مِن} مقحمة، و {نَجْوَى} فاعله، وهو مصدر بمعنى التناجي، مضاف إلى فاعله؛