الزجاج. وقال الواحدي: مذهب أهل المعاني في معنى الآية: إلا ليخضعوا لي، ويتذللوا. ومعى العبادة في اللغة: الذل والانقياد. وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله تعالى، مذلل لمشيئته، خلقه على ما أراد، ورزقه كما قضى، لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه.
والحاصل (?): أنهم خلقوا للعبادة تكليفًا واختيارًا لا جبلة وإجبارًا. فمن وفقه وسدده أقام العبادة التي خلق لها، ومن خذله وطرده حرمها، وعمل بما خلق له. وفي الحديث: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له"، كما في "عين المعاني".
فينبغي للعبد أن يعبد ربَّه، ويتذلل لخالقه بأيّ وجه كان من الفرائض، والواجبات، والسنن, والمستحبّات على الوجه الذي أمره أن يقوم فيه. فإذا كملت فرائضه، وكمالها فرض عليه، فيتفرغ فيما بين الفرضين لنوافل الخيرات كانت ما كانت. ولا يحقر شيئًا من عمله؛ فإنّ الله تعالى ما احتقره حين خلقه وأوجبه، فإنَّ الله تعالى ما كلَّفك بأمر إلا وله بذلك الأرم اعتناء وعناية، حتى كلفك به، وإذا واظب على أداء الفرائض؛ فإنه يتقرب إلى الله بأحب الأمور المقرّبة إليه. وورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى: "ما تقرَّب إليَّ عبد بشيء أحب إلى مما افترضته، وما يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أُحبَّهُ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به يبصر، ريده التي بها يبطش، ورجله التي بها يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته".
روجه تقديم الجن على الإنس هاهنا تقدم وجودهم على الإنس (?).
57 - {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ}؛ أي: من الجن والإنس في وقت من الأوقات {مِنْ رِزْقٍ} لي، ولا لأنفسهم، ولا لغيرهم يحصّلونه بكسبهم. {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} ولا أنفسهم ولا غيرهم. وأصله: {أن يطعموني} بياء المتكلم. وهو بيان لكون شأنه تعالى مع عباده متعاليًا عن أن يكون كسائر السادة مع عبيدهم، حيث يهلكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، وتهيئة أرزاقهم فإنَّ منهم من يحتاج إلى كسب