عبده في نيل الرزق، ومنهم من يكون له مال وافر يستغني به عن حمل عبده على الاكتساب، لكنه يطلب من العبد قضاء حوائجه من طبخ الطعام، وإصلاحه، وإحضاره بين يديه. وهو تعالى مستغن عن جميع ذلك. ونفع العباد وغيره إنما يعود عليهم.
فإن قلت: ما فائدة تكرار لفظ {مَا أُرِيدُ}؟
قلت: فائدته إفادة حكم زائد على ما قبله. إذ المعنى: ما أريد منهم أن يطعموا أنفسهم، وما أريد منهم أن يطعموا عبيدي. وإنما أضاف تعالى الإطعام إلى نفسه؛ لأنّ الخلق عياله وعبيده، ومن أطعم عيال غيره فكأنما أطعمه. ويؤيده خبر: إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: "يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني" أي: استطعمتك عبدي فلم تطعمه، انتهى من "فتح الرحمن".
والمعنى (?): ما أريد أن أصرفهم في تحمل رزقي, ولا رزقهم، ولا في تهيئته بل أتفضل عليهم رزقهم، وبما يصلحهم، ويعيشهم من عندي، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي. وفي الآية تعريض بأصنامهم؛ فإنّهم كانوا يحضرون لها المأكل فربما أكلتها الكلاب فبالت على الأصنام، ثم لا يصدهم ذلك عن عبادتها.
وهذه الآية دليل على أنّ الرزق أعم من الأكل (?)، كما في تفسير المناسبات. وتال بعضهم: معنى {أَنْ يُطْعِمُونِ}: أن يطعموا أحدًا من خلقي. إنما أسند الإطعام إلى نفسه؛ لأنّ الخلق عيال الله، ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه. كما جاء في الحديث: يقول الله: "استطعمتك فلم تطعمني"؛ أي: لم تطعم عبدي. كما مرّ آنفًا. وذلك أنَّ الاستطعام وسؤال الرزق يستعمل في وصف الله.
58 - {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {هُوَ الرَّزَّاقُ} لا رازق سواه، ولا معطي غيره. فهو الذي يرزق مخلوقاته.
والجملة (?): تحليل لعدم إرادة الرزق منهم. وهو من قصر الصفة على الموصوف؛ أي: لا رزاق إلا الله الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق. وفيه تلويح