وبلغت رسالته، وكررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإباء والاستكبار {فَمَا أَنْتَ} يا محمد {بِمَلُومٍ} عند الله سبحانه على هذا التولي والإعراض بعد بذل المجهود؛ لأنك قد أديت ما عليك. وهذا منسوخ بآية السيف.
55 - ثم بعدما أمره بالاعراض عنهم أمره بأن لا يترك التذكير والموعظة بالتي هي أحسن فقال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} قال الكلبي: أي: عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم. وقال مقاتل: عظ كفار مكة، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله أنه يؤمن. وقيل: ذكرهم بالعقوبة، وأيام الله. وخص المؤمنين بالذكير لأنّهم المنتفعون به.
والمعنى (?): فأعرض عنهم أيّها الرسول، ولا تأسَّف على تخلفهم عن الاسلام فإنك لم تأل جهدًا في الدعوة. وهم ما زادوا إلا عتوا واستكبارًا، وطغيانًا، وإعراضًا، ودم على العظة والنصح، فإنَّ الذكرى تنفع من في قلوبهم استعداد للهداية والرشاد.
56 - وجملة قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ ...} إلخ (?)، مستأنفة مقررة لما قبلها. لأنَّ كون خلقهم لمجرد العبادة مما ينشط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتذكير، وينشطهم للإجابة؛ أي؛ وما خلقت المؤمنين من الجن والإنس {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي، إلا ليطيعونني، ويعرفونني. قال القشيري: والآية دخلها التخصيص بالقطع؛ لأنَّ المجانين لم يؤمروا بالعبادة، ولا أرادها منهم. وقد قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}. ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة. فالآية محمولة على المؤمنين منهم. ويدل عليه قراءة ابن مسعود، وأبيِّ بن كعب {وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون}.
وقال مجاهد: إنّ المعنى: إلا ليعرفوني. قال الثعلبيّ: وهذا قول حسن؛ لأنّه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده. وروي عن مجاهد أنه قال:
المعنى: إلا لآمرهم وأنهاهم ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. واختار هذا