وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما، انتهى.
وحاصل معنى الآيتين: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}؛ أي: (?) فالجؤوا إلى الله، واعتمدوا عليه في جميع أموركم، واتبعوا أوامره، واعملوا على طاعته. {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ} من الله أنذركم عقابه، وأخوفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم التي قص عليكم قصصها، وإني مبين لكم ما يجب عليكم أن تحذروه، ولا تجعلوا مع معبودكم الذي خلقكم معبودًا آخر سواه؛ فإنَّ العبادة لا تصلح لغيره، إني لكم نذير ومخوف من عقابه على عبادتكم غيره. ونحو الآية قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
52 - وقوله: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...} إلخ (?)، تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيان أنَّ هذا شأن الأمم المتقدمة، وأنَّ ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووصفه بالسحر والجنون قد كان عن قبلهم لرسلهم. و {كَذَلِكَ} في محل رفع، خبر لمبتدأ محذوف: أي: أمر الأمم السابقة عند مجيء الرسل إليهم مثل أمر كفّار قومك الذين بعثت إليهم من تكذيبهم إيّاك، وتسميتهم لك ساحرًا، أو مجنونًا. أو في محل نصب نعت لمصدر محذوف: أي: أنذركم إنذارًا كإنذار من تقدمني من الرسل الذين أنذروا قومهم. والأول أولى.
ثم فسر ما أجمله بقوله: {مَا أَتَى}؛ أي: ما جاء الأمم {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: من قبل قريش {مِنْ} زائدة؛ أي: {رَسُولٍ} من رسل الله تعالى {إِلَّا قَالُوا} في حقه هو {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} فلا تأس على تكذيب قومك إيَّاك.
53 - {أَتَوَاصَوْا بِهِ} الاستفهام فيه للإنكار والتعجيب من حالهم، واتفاقهم مع تفرق أزمانهم على تلك الكلمة الشنيعة التي لا تكاد تخطر ببال أحد من العقلاء فضلًا عن التفوه بها في حق الأنبياء؛ أي: هل وصى الأولون الآخرين بعضهم بعضًا بهذا القول، حتى اتفقوا عليه. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}؛ أي: مجاوزون الحد في الطغيان والفساد إضراب عن كون مدار اتفاقهم على الشر. تواصيهم بذلك لبعد الزمان وعدم تلاقيهم في وقت واحد. وإثبات لكونه أمرًا أقبح من التواصي، وأشنع منه. وهو الطغيان الشامل للكل الدال على أنّ صدور تلك الكلمة الشنيعة عن كل واحد منهم بمقتضى