[54]

والمعنى (?): أي كفى بالله شهيدًا على أفعال عباده، وأقوالهم، وهو يشهد بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - صادق، فيما أخبر به عنه، كما قال: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} الآية، وقال أيضًا: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}.

وقصارى ذلك: ألم تكفهم هذه الدلائل الكثيرة، التي أوضحها سبحانه في هذه السورة، وفي كل سور القرآن، وفيها البيان الكافي لإثبات وحدانية الله، وتنزيهه عن كل نقص، وإثبات النبوة والبعث.

54 - وبعد أن أقام الأدلة، وأوضح الحجج، حتى لم يبق بعدها مقال لمتعنت، ولا جاحد بيّن سبب عنادهم واستكبارهم، فقال: {أَلَا} كلمة استفتاح، تنبه السامع على ما يقال {إِنَّهُمْ}؛ أي: كفار مكة {فِي مِرْيَةٍ}؛ أي: في شك عظيم وشبهة شديدة، وقرأ (?) السلمي والحسن {فِي مِرْيَةٍ} بضم الميم، وهو لغة في مكسورة الميم {مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} بالبعث والجزاء، فإنهم استبعدوا إحياء الموتى بعدما تفرقت أجزاؤهم وتبددت أعضاؤهم، ومن ثمّ لا يلتفتون إلى النظر فيما ينفعهم، عند لقائه، كالتفكر في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن القرآن حق لا شك فيه، وفيه إشارة (?) إلى أن الشك أحاط بجميع جوانبهم، إحاطة الظرف بالمظروف، لا خلاص لهم منه، وهم مستمرون دائمون فيه {أَلَا إِنَّهُ} سبحانه {بِكُلِّ شَيْءٍ} من الموجودات؛ أي: بجميع الأشياء جملها وتفاصيلها، ظواهرها وبواطنها {مُحِيطٌ} أحاط علمه بجميع المعلومات، وأحاطت قدرته بجميع المقدورات، فلا تخفى عليه خافية منهم، وهو مجازيهم على كفرهم ومريتهم، وفي هذا وعيد شديد؛ لأن من أحاط علمه بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء جازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

والمعنى: أي إنه تعالى عليم بجمل الأشياء وتفاصيلها، مقتدر عليها لا يفوته شيء منها، فهو يعلم ما تفرق من أجزاء الأجسام، ويقدر على إعادتها إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015