يقول يا جبرائيل من بقي، فيقول: تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الدائم الباقي وجبرائيل الميت الفاني، فيقول: يا جبرائيل لا بد من موتك، فيقع ساجدًا يخفق بجناحيه، فيموت، فلا يبقى في الملك والملكوت حي من إنس وجن، وملك وغيرهم، إلا الله الواحد القهار".
وقال بعض المفسرين: المستثنى الحور والولدان وخزنة الجنة والنار وما فيهما؛ لأنهما وما فيهما خلقًا للبقاء، والموت لقهر المكلّفين، ونقلهم من دار إلى دار، ولا تكليف على أهل الجنة، فتركوا على حالهم بلا موت، وهذا الخطاب بالصعق: متعلق بعالم الدنيا، والجنة والنار عالمان بانفرادهما، خلقا للبقاء، فهما بمعزل عما خلق للفناء، فلم يدخل أهلهما في الآية، فتكون آية الاستثناء مفسرة لقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} و {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وغيرهما من الآيات، فلا تناقض. انتهى.
قلت: وليس في القرآن ولا في صحيح الأخبار ما يدل على تعيين من استثناهم الله تعالى من الصعق والفزع، ومن ثم قال قتادة: لا ندري من هم.
فإن قلت (?): فما الفرق بين الصعق الذي في هذه الآية، وبين الفزع الذي في آية النمل، وهي قوله تعالى {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}؟
قلت: لا شك أن الصعق بمعنى الموت غير الفزع، وكذا بمعنى الغشي، إذ ليس كل من له فزع مغشيًا عليه، هذا ما تيسر لي في هذا المقام، والله أعلم باسرار كتابه.
{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ}؛ أي: في الصور نفخة {أُخْرَى}؛ أي: غير الأولى، وهي النفخة الثانية، وهي نفخة البعث، {فَإِذَا هُمْ}؛ أي: جميع الخلائق {قِيَامٌ} جمع قائم؛ أي (?): قائمون من قبورهم على أرجلهم أو متوقفون، فالقيام بمعنى الوقوف والجمود في مكانهم لتحيرهم {يَنْظُرُونَ}؛ أي يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ماذا يُفعلُ بهم وقيل: ينظرون إلى السماء، كيف غيرت،