وقرأ الأعمش (?): {حق قدَره} بفتح الدال، وقرأ الحسن وعيسى وأبو نوفل وأبو حيوة: {وما قدَّروا} بتشديد الدال، {حق قدره} بفتح الدال؛ أي: ما عظموه حقيقة تعظيمه، والضمير في {قَدَرُوا}: قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: إلى كفار قريش، كانت هذه الآية كلها محاورةً لهم، وردًّا عليهم، وقيل: نزلت في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله وجلاله، فألحدوا وجسموا، وجاؤوا بكل تخليط.

روى البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمد: إنا نجد في كتابنا أن الله عَزَّ وَجَلَّ يجعل السموات على إِصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية.

وأخرج الشيخان والنسائي وابن ماجه في جماعة آخرين عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وهو يقول هكذا بيده يحركها، يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر، حتى قلنا: ليَخِرَّنَّ به.

وفي "التأويلات النجمية" (?): ما عرفوا الله حق معرفته، وما وصفوه حق وصفه، وما عظموه حق تعظيمه، فمن وصفه بتمثيل أو جنح إلى تعطيل. فقد حاد عن الألسنة المثلى، وانحرف عن الطريقة الحسنى، وصفوا الحق بالأعضاء، وتوهموا في نعته الأجزاء، فـ {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. انتهى.

ثم نبههم سبحانه على عظمته وجلالة شأنه، فقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا}: حال لفظًا، وتأكيد معنى، ولذا قال أهل التفسير: تأكيد الأرض بالجميع؛ لأن المراد بها الأرضون السبع، أو جميع أبعاضها البادية والغائرة؛ أي: الظاهرة وغير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015