اللَّهَ فَاعْبُدْ} و {الفاء} فيه واقعة في جواب الشرط المحذوف، تقديره؛ لا تعبد ما أمرك الكفار بعبادته، بل إن عبدت فاعبد الله دون ما سواه من الأنداد والأوثان، فحذف الشرط، وأقيم المفعول مقامه، ووجه الرد: ما يفيده التقديم من القصر، قال الزجاج: و {الفاء} في {فَاعْبُدْ} للمجازاة، وقال الأخفش: زائدة، وقال عطاء ومقاتل: معنى {فَاعْبُدْ}: وحد؛ لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده. {وَكُنْ} يا محمد {مِنَ الشَّاكِرِينَ} ربك على إنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد والعبادة والدعاء إلى دينه، وكذا النبوة والرسالة الحاصلتان بفضله وكرمه، لا بسعيك وعملك.
وقرأ عيسى: {بل اللهُ} بالرفع، والجمهور: بالنصب.
واعلم: أن الشكر على ثلاث درجات (?):
الأولى: الشكر على المحابِّ، وقد شاركت المسلمين في هذا الشكر اليهود والنصارى والمجوس.
والثانية: الشكر على المكارهِ، وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره.
والثالثة: أن لا يشهد غير المنعم، فلا يشهد النعمة ولا الشدة، وهذا الشهود والتلذذ به أعلى اللذات؛ لأنه في مقام السر، فالعاقل يجتهد في الإقبال على الله والتوجه إليه، من غير التفات إلى يمين وشمال.
67 - ثم أكد ما سلف بقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ أي: ما عظموه سبحانه وتعالى حق تعظيمه، حيث جعلوا له شريكًا، وأمروا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يكون مثلهم في الشرك، قال أبو حيان؛ أي: ما عظموه حق تعظيمه، وما قدروه في أنفسهم حق تقديره؛ إذ أشركوا معه غيره، وساووا بينه وبين الحجر والخشب في العبادة، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدره، ولما (?) كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الإنسان حق معرفته، وقدّره في نفسه حق تقديره، وعظمه حق تعظيمه. قيل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.