إلا أن يكون المشفوع له مرتضى، والشفيع مأذونًا له، وكلاهما مفقود هاهنا. قال البقلي: بين أنه تعالى، مرجع الكل: الشافع والمشفوع فيه، حتى يرجع العبد العارف إليه بالكلّية، ولا يلتفت إلى أحد سواه، فلا يصل إليه أحد إلا به تعالى.
ونِعْمَ ما قالت رابعة العدوية - رحمها الله تعالى -: محبّة الله تعالى ما أبقت محبة غيره، ومحبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مندرجة في محبة الله تعالى.
وفي "فتح الرحمن": إن قلت: كيف قال ذلك مع أن للأنبياء والعلماء والشهداء والأطفال شفاعة؟
قلت: معناه: أن أحدًا لا يملكها إلا بتحليلها من الله تعالى، كما قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}.
ثمّ بين العلة في أن الشفاعة جميعًا له تعالى، فقال: {لَهُ} تعالى، وحده {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: له السلطان في السموات والأرض، وكل من فيهما ملك له، ومنه ما تعبدون من دونه، فاعبدوا مالك الملك كله، الذي لا يتصرّف أحد في شيء منه إلَّا بإذنه ورضاه، وفيه إشارة (?) إلى أن الله تعالى هو المالك حقيقةً، فإن ما سواه عبد ولا ملك للعبد، ولو ملّكه مولاه، وإنما هو عارية عنده، والعارية مردودة إلى مالكها. {ثُمَّ إِلَيْهِ} تعالى لا إلى غيره {تُرْجَعُونَ} يوم القيامة؛ أي: إليه مصيركم بعد البعث لا إلى أحد سواه، لا استقلالًا ولا اشتراكًا، فيفعل يومئذ ما يريد، وهو معاقبكم على إشراككم به سواه، إن أنتم متم على هذه الحال.
وفي "الكواشي": يحيى أعمالكم، ثم إلى حسابه ترجعون؛ أي: تردّون فيجازيكم، فاحذروا سخطه، واتّقوا عذابه، فيا ربح الموحّدين يومئذ، ويا خسارة المشركين.
وخلاصة ذلك: اعبدوا من يقدر على نفعكم في الدنيا، وعلى ضرّكم فيها، وفي الآخرة بعد مماتكم يجازيكم بما قدّمتم من عمل خيرًا كان أو شرًّا، ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد، الذي تقشعر منه الجلود خشيةً.
واعلم: أن افتخار الخلق في الدنيا بعشرة، ولا ينفع ذلك يوم القيامة: