واللات ومناة، فكأنه قال: كيف أشركتم به تعالى هذه الأشياء الجماديّة البعيدة من الحياة والعلم والقدرة والقوّة والتمكّن من الخلق؟ هلّا استحييتم من ذلك؟ وجواب هذا الاستخبار محذوف، تقديره: فإنهم سيقولون لا تقدر على شيء من ذلك.
وقرأ الجمهور (?): {كَاشِفَاتُ} و {مُمْسِكَاتُ} على الإضافة، وقرأ شيبة والأعرج وعمرو بن عبيد وعيسى بخلاف عنه وأبو عمرو وأبو بكر: بتنوينهما، ونصب ما بعدهما، واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة أبي عمرو؛ لأنّ {كَاشِفَاتُ} اسم فاعل في معنى الاستقبال، وما كان كذلك فتنوينه أجود، وبها قرأ الحسن وعاصم.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية .. سألهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فسكتوا، وقال غيره: قالوا لا تدفع شيئًا من قدر الله، ولكنها تشفع، فنزل قوله: {قُلْ} يا محمد لهم {حَسْبِيَ اللَّهُ}؛ أي: الله كافيّ في جميع أموري من جلب نفع أو دفع ضرّ، فلا أخاف شيئًا من أصنامكم التي تخوّفونني بها {عَلَيْهِ} سبحانه وتعالى لا على غيره أصلًا {يَتَوَكَّلُ} ويعتمد {الْمُتَوَكِّلُونَ}؛ أي: المعتمدون لعلمهم بأنّ ما سواه تحت ملكوته تعالى، وفيه إشارة إلى أن من تحول عن الكافي إلى غير الكافي .. لم يتمّ أمره، فلا بدّ من التوكّل على رب العباد، والتسليم له والانقياد، وفي الحديث: "من أحبّ أن يكون أقوى الناس .. فليتوكّل على الله، ومن أحبت أن يكون أغنى الناس .. فليكن بما في يد الله عزّ وجلّ أوثق منه بما في يديه، ومن أحبّ أن يكون أكرم الناس .. فليتق الله عزّ وجلّ.
وفي الحديث الصحيح: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت .. فاسأل الله، وإذا استعنت .. فاستعن بالله، واعلم أنّ الناس لو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك .. لم يضرُّوك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك .. لم ينفعوك، رفعت الأقلام، وجفّت الصحف، واعلم أنَّ في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا".