ثمّ أمر الله سبحانه رسوله أن يبكّتهم ويوبِّخهم بعد هذا الاعتراف، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد تبكيتًا وتوبيخًا لهم: {أَفَرَأَيْتُمْ}؛ أي: أخبروني، جعل الرؤية وهو العلم الذي هو سبب الإخبار مجازًا عن الإخبار، {مَا تَدْعُونَ}؛ أي: تعبدون، و {مَا}: عبارة عن الآلهة، {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه، {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} والضرّ: سوء الحال أيًّا كان، من مرض وضيق معيشة وشدّة وبلاء، و {الهمزة} في {أَفَرَأَيْتُمْ}: للاستفهام الإنكاريّ، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفكّرتم ما أقررتم فرأيتم ... إلخ.
والظاهر (?): أن {الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا لم يكن خالق سواه تعالى .. فأخبروني عن آلهتكم التي تعبدونها، أنَّه إن أرادني الله بضرّ .. هل من كاشفات ضُرّه، {أَوْ} أنه إن {أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ}؛ أي: بنفع من صحةٍ أو غنًى أو غير ذلك من المنافع، {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}؛ أي: أخبروني عن آلهتكم هذه، هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الضر، أو منع ما أراده الله لي من الخير، وإذا لم تكن لها قدرة على شيء .. فلا ينبغي التعويل عليها، ولا الكدُّ في عبادتها، بل نعبد الإله القادر الذي تكون عبادته كافية في جلب السرّاء ودفع الضراء، والضرّ: سوء الحال أيًّا كان من مرضٍ وضيق معيشةٍ وشدةٍ؛ والكشف: الإظهار والإزالة ورفع شيء عما يواريه ويغطيه.
وحاصل المعنى (?): أي إذا حققتم وأيقنتم أن خالق العالم العلويّ والسفلي هو الله تعالى .. فأخبروني أنّ آلهتكم إن أرادني الله بضرّ هل هنّ يكشفن عنّي ذلك الضرر والبلاء ويدفعنه عنّي؛ أي: لا تقدر على دفعه وإزالته، أو أرادني برحمة ونفعٍ من المنافع، هل من ممسكات رحمته فيمنعنها عنّي؟ أي: لا تقدر على إمساك تلك الرحمة ومنعها، وتعليق إرادة الضُّرِّ والرحمة بنفسه - صلى الله عليه وسلم - للردّ في نحورهم، حيث كانوا خوّفوه مضرّة الأوثان، ولما فيه من الإيذان بإمحاض النصح، وإنما قال: {كَاشِفَاتُ} و {مُمْسِكَاتُ} إبانةً لكمال ضعفها، وإشعارًا بأنوثتها، كما قال: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} وهم كانوا يصفونها بالأُنوثة، مثل العزى