والاستفهام في قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ} سبحانه {بِعَزِيزٍ}؛ أي: بغالب منيع يعزّ من يعبده {ذِي انْتِقَامٍ} من أعدائه لأوليائه .. للتقرير (?)؛ لأن الاستفهام إذا دخل على النفي .. أفاد تحقيقًا وتقريرًا، كما مرّ.
والمعنى: أنَّ الله عزيز لا يغالب، ومنيع لا ينازع ولا يمانع، وذو انتقام وعقوبة ينتقم من عصاته بما يصبّه عليهم من عذابه، وما ينزله بهم من سوط عقابه، فهو الذي لا يضام من استند إلى جنابه، أو لجأ إلى بابه.
38 - ثمّ أقام الدليل على غفلتهم وشديد جهلهم في عبادتهم للأصنام والأوثان، مع تفرّده تعالى بالخالقية لكل شيء، وعدم خلقها شيئًا، فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} يا محمد؛ أي: وعزّتي وجلالي، لئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين الذين يخوّفونك بآلهتهم، فقلت لهم: {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}؛ أي: من اخترع هذين الجنسين المعبّر عنهما بالعالم .. {لَيَقُولُنَّ} هؤلاء الكفرة في الجواب خلقهنّ {اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ لوضوح الدليل على اختصاصه بالخالقية. و {اللام} الأولى: توطئة وتمهيد للقسم، والثانية تأكيد له، وهو سادّ مسدّ جوابين.
وفي هذا (?) أعظم دليل على أنهم كانوا في غفلة شديدة، وجهالة عظيمة؛ لأنهم إذا علموا أنَّ الخالق لهم ولما يعبدون من دون الله هو الله سبحانه فكيف استَحْيَنَتْ عقولهم عبادة غير خالق الكل وتشريك مخلوق مع خالقه في العبادة؟ وقد كانوا يذكرون بحسن العقول، وكمال الإدراك، والفطنة التافة، ولكنهم لمَّا قلدوا أسلافهم، وأحسنوا الظن بهم .. هجروا ما يقتضيه العقل، وعملوا بما هو محض الجهل. وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى إنّ الإيمان الفطري مركوز في جبلة الإنسان من يوم الميثاق، إذ أشهدهم الله على أنفسهم، فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} كما قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة"، فلا يزال يوجد في الإنسان وإن كان كافرًا أثر ذلك الإقرار، ولكنّه غير نافع إلَّا مع الإيمان الكسبيّ بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاؤوا به. انتهى.