الجنون أو فساد الأعضاء، وقال بعض المفسرين: إنّ هذه الآية؛ أعني: قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} نزلت مرة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومرة في شأن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - كسورة الفاتحة حيث نزلت مرةً بمكة ومرةً بالمدينة.
أي (?): ويخوّفك المشركون بغير الله تعالى من الأوثان والأصنام عبثًا وباطلًا، لأنّ كل نفع أو ضرّ فلا يصل إلّا بإرادته تعالى، وقد روي أنهم خوّفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مضرّة الأوثان، فقالوا: أتسبّ آلهتنا، لئن لم تكفّ عن ذكرها .. لتخبلنّك أو تصيبنّك بسوءٍ، وقال قتادة: مشى خالد بن الوليد إلى العزّى ليكسرها بالفأْس، فقال له سادنها: أحذّركها يا خالد، فإن لها شدّة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس، وفي الآية إيماء إلى أنّه سبحانه يكفي نبيّه - صلى الله عليه وسلم - دينه ودنياه، ويكفي أتباعه أيضًا، ويكفيهم شرّ الكافرين، ونحو الآية قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}، وقوله تعالى: حكايةً عن إبراهيم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}. ثم بيّن شديد جهلهم لتوعّدهم بما لا يضرّ ولا ينفع فقال: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}؛ أي: ومن يجعله الله ضالًا عن الطريق القويم والفهم المستقيم، حتى غفل عن كفايته تعالى وعصمته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وخوفه بما لا ينفع ولا يضرّ أصلًا. {فَمَا لَهُ}؛ أي: لذلك الضالّ {مِنْ هَادٍ}، يهديه إلى خير ما،
37 - {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ} سبحانه؛ أي: ومن يرشده إلى الصراط المستقيم {فَمَا لَهُ}؛ أي: لذلك الهادي {مِنْ مُضِلٍّ} يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يخلّ بسلوكه طريق الهدى، إذ لا رادّ لفعله. ولا معارض لإرادته.
والمعنى: أي ومن يضلله الله لتدسيته نفسه، وحبّه للإثم والفسوق ومعصية الرسول .. فما له من هاد يهديه إلى الرشاد، ويخلّصه من الضلال {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ}؛ أي: ومن يوفّقه الله إلى أسباب السعادة بتزكية نفسه، وتحبيبها إلى صالح العمل .. فلا مضلّ له يصرفه عن مقصده، أو يصيبه بسوء يغيّر سلوكه، إذ لا معقّب لحكمه، ولا معارض لإرادته.
وفي "التأويلات النجمية": فيه إشارة إلى أن رؤية الخير والشر من غير الله تعالى ضلالة، والتخويف بمن دون الله غاية الجهالة.