36 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: "يا معاذ، أخلص دينك يكفك القليل من العمل". ولما قالت قريش: لئن لم تنته يا محمد عن تعييب آلهتنا .. لنسلّطنّها عليك فتصيبك بخبل وتعتريك بسوء .. أنزل الله سبحانه قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}.
قرأ الجمهور (?): {عَبْدَهُ}، بالإفراد، والمراد به: النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الجنس، ويدخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولًا أوّليًّا، وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر ومجاهد وابن وثّاب وطلحة والأعمش: {عباده} بالجمع والمراد بهم: الأنبياء أو المؤمنون أو الجميع، واختار أبو عبيد قراءة الجمهور؛ لقوله عقبه: {وَيُخَوِّفُونَكَ}. وقرىء {بكافي عبده} على الإضافة، و {يكافي عباده} مع نصب {عباده}، بصيغة المضارع.
والهمزة فيه للاستفهام التقريري؛ لأنّه أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي، فأفادت معنى إثبات الكفاية وتقريرها، وكونها للتقرير معناه: طلب الإقرار بما بعد النفي، وكونها للنفي معناه: نفي النفي الذي دخل عليه، ونفي النفي إثبات، فمآل المعنيين واحد، اهـ "كرخي". والكفاية: ما فيه سدّ الخلّة وبلوغ المراد في الأمر؛ أي: هو تعالى كافٍ عبده محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أمر من يعاديه، وناصره عليه، وفيه تسلية له - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: المراد بالعبد والعباد: ما يعمّ المسلم والكافر، قال الجرجاني: إنّ الله كاف عبده المؤمن، وعبده الكافر، هذا بالثواب، وهذا بالعقاب اهـ.
والمعنى (?): أي الله وحده هو الذي يدفع عن عباده الآفات، ويزيل عنهم المصائب والويلات، ويعطيهم جميع المشتهيات، والمراد أنه يكفي من عبَدَه، وتوكّل عليه، وأتى بالكلام على طريق الإنكار للإشارة إلى كفايته تعالى على أبلغ وجه، كأنها من الظهور بحيث لا يتيسّر لأحد أن ينكرها.
ثمّ رتّب على ذلك ما هو كالنتيجة لما سلف، فقال: {وَيُخَوِّفُونَكَ}؛ أي: يخوفك المشركون يا محمد، {بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}؛ أي: بالأوثان التي اتخذوها آلهة من دون الله تعالى، ويقولون: إنّك تعيبها، وإنها لتصيبك بسوء كالهلاك أو