والمعنى (?): لهم من الكرامة عند ربهم ما تشتهيه أنفسهم، وتقرّ به أعينهم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وذلك جزاء من أحسن عملًا، فأخلص لربه في السرّ والنجوى، وراقبه في أقواله وأفعاله، وعلم أنه محاسب على النقير والقطمير والجليل والحقير. {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} وذلك أعظم ما يرجونه من دفع الضرّ عنهم، والنفس: إذا علمت زوال المكروه عنها .. كان لها في ذلك سرور ولذّة تعدل السرور واللذة بجلب المنافع لها.
ولما ذكر سبحانه ما يدلّ على دفع المضارّ عنهم .. ذكر ما يدلّ على جلب أعظم المنافع إليهم، فقال: {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ}؛ أي: ويعطيهم ثوابهم {بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: على حسن ما كانوا يعملونه؛ أي: ويثيبهم بمحاسن أعمالهم ولا يجزيهم بمساوئها، فهو معطوف على {يُكَفِّرَ}، والظاهر: أنّ الأسوأ والأحسن بمعنى السيء والحسن، فأفعل التفضيل ليس (?) على بابه، فبهذا الاعتبار عمّ الأسوأ جميع معاصيهم، والأحسن جميع حسناتهم، ولولا هذا التاوبل .. لاقتضى النظم أنه يكفّر عنهم أقبح السيئات فقط، ويجزيهم على أفضل الحسنات فقط، هذا مراده، والله أعلم بمعاني كتابه. اهـ شيخنا، وقال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوىء، وقدّم تكفير السيئات على إعطاء الثواب؛ لأنّ دفع المضارّ أهمُّ من جلب المسارّ، وفي ذكر تكفير الأسوأ؛ إشارة إلى استعظامم للمعصية مطلقًا، لشدّة خوفهم من الله تعالى، وإلى أنّ الحسن الذي يعملونه هو الأحسن عند الله تعالى لحسن إخلاصهم فيه.
واعلم (?): أنّ سبب اِلتكفير والأجر الأحسن هو الصدق، وهو من المواهب لا من المكاسب في الحقيقة، وإن كان حصول أثره منوطًا بفعل العبد، ويجري في القول والفعل والوعد والعزم.
والصدق: وديعة الله في عباده، ليس للنفس فيه نصيب؛ لأنّ الصدق سبيل إلى الحق، وأبى الله أن يكون لصاحب النفس إليه سبيل.