عليه، ثم طُرح في النار»، أخرجه مسلم.
فإن قلت: قال في آية أخرى: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}، وبينهما معارضة.
قلت: إن في يوم القيامة ساعات كثيرة، وأحوالها مختلفة، مرة يختصمون، ومرة لا يختصمون، كما أنه قال: {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ}، وقال في آية أخرى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)}. يعني: في حال يتساءلون، وفي حال لا يتساءلون، وكما أنه قال: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39)}، وفي موضع آخر {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)}، ونحو هذا كثير في القرآن.
فائدة: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لما دنا فراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها ثم نظر إلينا، فدمعت عيناه، وقال: «مرحبًا بكم، حياكم الله، رحمكم الله، أوصيكم بتقوى الله وطاعته، قد دنا الفراق، وحان المنقلب إلى الله تعالى، وإلى سدرة المنتهى، وجنة المأوى، يغسلني رجال أهل بيتي، ويكفنوني في ثيابي هذه إن شاؤوا، أو في حلة يمانية، فإذا غسلتموني وكفنتموني، ضعوني على سريري في بيتي هذا، على شفير لحدي، ثم اخرجوا عني ساعة، فأول من يصلي عليّ، حبيبي جبرائيل، ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم، ثم ادخلوا عليّ فوجًا فوجًا، فصلوا عليّ»، فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا، وقالوا: يا رسول الله، أنت رسول ربنا، وشمع جمعنا، وبرهان أمرنا، إذا ذهبت عنا فإلى من نرجع في أمورنا؟ قال: «تركتكم على المحجة البيضاء»؛ أي: على الطريق الواضح «ليلها كنهارها»؛ أي: في الوضوح «ولا يزيغ بعدها إلا هالك، وتركت لكم واعظين، ناطقًا وصامتًا، فالناطق القرآن، والصامت الموت، فإذا أشكل عليكم أمر، فارجعوا إلى القرآن والسنّة، وإذا قست قلوبكم، فليّنوها بالاعتبار في أحوال الموت»، فمرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه ذلك، من صداع عرض له، وكان مريضًا ثمانية عشر يومًا، يعوده الناس، ثم مات يوم الإثنين، ما بعثه الله فيه، فغسله علي رضي الله عنه وصب الماء - أي: ماء بئر غرس - الفضل بن عباس رضي الله عنهما، ودفنوه ليلة الأربعاء وسط الليل، وقيل: ليلة الثلاثاء في حجرة