جُلُودُهُمْ}؛ أي: لانت أبدانهم {وَقُلُوبُهُمْ}؛ أي: نفوسهم {إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، واللين: ضد الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام، ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني، والجلود: عبارة عن الأبدان والقلوب عن النفوس؛ أي: ثم إذا ذكروا رحمة الله، وعموم مغفرته لانت أبدانهم، واطمأنت قلوبهم إلى ذكر الله ووعده للمؤمنين، وزال عنها ما كان بها من الخشية، والقشعريرة، بسبب سماع وعيده، بأن تبدلت خشيتهم رجاء، ورهبتهم رغبة، وتعدية اللين بـ {إِلى} لتضمنه معنى السكون والاطمئنان، كأنه قيل: تسكن وتطمئن إلى ذكر الله، لينة غير منقبضة، راجية غير خاشعة، أو تلين ساكنة مطمئنة إلى ذكر الله، على أن المتضمن بالكسر يقع حالًا من المتضمن بالفتح، وإنما أطلق {ذِكْرِ اللَّهِ}، ولم يصرح بالرحمة إيذانًا بأنها أول ما يخطر بالبال عند ذكره تعالى.
فإن قلت (?): لم ذكرت الجلود وحدها أولًا، ثم قرنت بها القلوب ثانيًا؟.
قلت: لتقدم الخشية التي هي من عوارض القلوب، فكأنه قيل: تقشعر جلودهم من آيات الوعيد، وتخشى قلوبهم من أول وهلة، فإذا ذكروا الله، ومبنى أمره على الرأفة والرحمة، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، والقشعريرة لينا في جلودهم، فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط.
والمعنى (?): أي الله أنزل أحسن الحديث قرآنًا كريمًا يشبه بعضه بعضًا، في الصدق والبيان والوعظ والحكمة، كما تتشابه أجزاء الماء والهواء، وأجزاء النبات والزهر، تثني وتردد قصصه وأنباءه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده إذا تليت منه آيات العذاب اقشعرت الجلود، ووجلت القلوب، وإذا تليت آيات الرحمة والوعد لانت الجلود، وسكنت القلوب، واطمأنت النفوس، قال الزجاج: إذا ذكرت آيات العذاب، اقشعرت جلود الخائفين لله، وقال العباس بن عبد المطلب: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من اقشعر جلده من خشية الله، تحاتت عنه ذنوبه، كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها»، وقال ابن عمر: وقد رأى ساقطا من