ثني من قصصه، وأنبائه، وأحكامه، وأوامره، ونواهيه، ووعده، ووعيده، ومواعظه، أو لأنه ثني في التلاوة فلا يمل، كما جاء في نعته: لا يخلق على كثرة التردد؛ أي: لا يزول رونقه، ولذة قراءته، واستماعه من كثرة ترداده على ألسنة التالين، وتكراره على آذان المستمعين، وأذهان المتفكرين، على خلاف ما عليه كلام المخلوق، وفي القصيدة البردية:
فَلا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى عَجَائِبُهَا ... وَلا تُسَامُ عَلَى الإِكْثَارِ بالسَّأَمِ
أي: لا تقابل آيات القرآن مع الإكثار بالملال.
وقوله: {تَقْشَعِرُّ}؛ أي: تتقبض، وتتجمع؛ أي: تضطرب، وترتعد {مِنْهُ}؛ أي: من استماعه {جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} ويخافون {رَبَّهُمْ}؛ أي: عذابه عند استماع وعيده، كلام مستأنف، مسوق لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه، بعد بيان أوصافه في نفسه، وتقرير كونه أحسن الحديث، يقال: اقشعر جلده: أخذته قشعريرة؛ أي: رعدة، كما في «القاموس». والجلد: قشر البدن كما في «المفردات». وقال بعضهم: أصل الاقشعرار تغير، كالرعدة يحدث في جلد الإنسان عند الوجل والخوف. وفي «الإرشاد»: الاقشعرار: التقبض. يقال: اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضًا شديدًا، وتركيبه من القشع، وهو الأديم اليابس، قد ضم إليه الراء ليكون باعثًا ودالًا على معنى زاد، يقال: اقشعر جلده ووقف شعره إذا عرض له خوف شديد، من منكر حائل وهمه بغتةً.
والمراد: إما بيان إفراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير، أو بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق، وهو الظاهر، إذ هو موجود عند الخشية محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو يحصل من التأثر القلبي فلا ينكر.
والمعنى: إنهم إذا سمعوا بالقرآن، وقوارع آيات وعيده أصابتهم هيبة وخشية، تقشعر منها جلودهم؛ أي: يعلوها أي: يعلوها قشعريرة ورعدة.
{ثُمَّ} إذا ذكروا رحمة الله سبحانه، وعموم مغفرته عند سماع وعده {تَلِينُ