وولده من الذين قست قلوبهم، فالرحمة للمشروح صدره، والغضب للقاسي قلبه.
23 - ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز، فقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} هو القرآن الكريم الذي لا نهاية لحسنه، ولا غاية لجمال نظمه وملاحة معانيه، وهو أحسن مما نزل على جميع الأنبياء والمرسلين، وأكمله وأكثره أحكامًا، وأيضا أحسن الحديث لفصاحته وإعجازه، وأيضا لأنه كلام الله، وهو قديم، وكلام غيره مخلوق محدث، وأيضًا لكونه صدقًا كله إلى غير ذلك، سمي حديثًا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحدث به قومه، ويخبرهم بما ينزل عليه منه، فلا يدل على حدوث القرآن، فإن الحديث في عرف العامة: الخبر، والكلام. والمعنى: إن فيه مندوحةً عن سائر الأحاديث، وعبر بنزل دون أنزل إشعارًا بأنه متكرر النزول بحسب الوقائع.
{كِتابًا} بدل من {أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}، ويحتمل أن يكون حالًا منه {مُتَشابِهًا} معانيه في الصحة، والحسن، والإحكام، والابتناء على الحق والصدق، واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش، وتناسب ألفاظه في الفصاحة، وتجاوب نظمه في الإعجاز، وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة، وقال قتادة: يشبه بعضه بعضًا في الآي، والحروف، وقيل: يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه. {مَثانِيَ} صفة أخرى لكتابًا؛ أي: تثنى فيه القصص، وتتكرر فيه المواعظ والأحكام، وقيل: يثنى في التلاوة، فلا يمل سامعه، ولا يسأم قارئه.
وقرأ الجمهور (?): {مَثانِيَ} بفتح الياء، وهشام، وابن عامر، وأبو بشر بسكون الياء، فاحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف، واحتمل أن يكون منصوبًا، وسكنت الياء على قول من سكن الياء، في كل الأحوال، لانكسار ما قبلها استثقالًا للحركة عليها، ووصف (?) الواحد، وهو الكتاب بالجمع، وهو المثاني باعتبار تفاصيله، كما يقال: القرآن سور وآيات، والإنسان عروق وعظام وأعصاب، وهو جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون، بمعنى مردد ومكرر، لما