وقرأ الجمهور (?): {ثُمَّ يَجْعَلُهُ} بالرفع عطفًا على ما قبله، وقرأ أبو بشر: بالنصب بإضمار {أن}، ولا وجه لذلك.
{إِنَّ فِي ذلِكَ} المذكور مفصلًا {لَذِكْرى}؛ أي: لتذكيرًا عظيمًا {لِأُولِي الْأَلْبابِ}؛ أي: لأصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، وتنبيهًا لهم على حقيقة الحال، يتذكرون بذلك، أن حال الحياة الدنيا في سرعة التقضي والإنصرام، كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام، فلا يغترون ببهجتها، ولا يفتنون بفتنها.
قال في «كشف الأسرار»: الإشارة في هذه إلى أن الإنسان يكون طفلًا، ثم شابًا ثم كهلًا، ثم شيخًا ثم يصير إلى أرذل العمر، ثم آخره يحترم، ويقال: إن الزرع ما لم يؤخذ منه الحب الذي هو المقصود منه، لا يكون له قيمة، كذلك الإنسان ما لم يخل من نفسه، لا يكون له قدر ولا قيمة، انتهى.
فالمعنى (?): إنك أيها الرسول لتشاهد الماء، وقد نزل من السماء، فجرى عيونًا في الأرض، فسُقيت به أنواع مختلفة، من النبات من بر إلى شعير إلى أرز إلى نحو ذلك، ثم نضجت وجفت وصارت مصفرة بعد خضرة ونضرة، ثم صارت فتاتًا متكسرةً، فما أشبه حال الدنيا بحالها، فهي سريعة التقضي، وشيكة الزوال، فليعتبر بذلك أولو الحجا، وليعلموا أن الدنيا كسوق قام ثم انفض، ولا يغتروا ببهجتها، ولا يفتنوا بزخرفها، ونحو الآية قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}.
22 - ثم لما ذكر سبحانه، أن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، ذكر شرح الصدر للإسلام؛ لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به، فقال: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} والهمزة (?) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف دل عليه