السياق، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، و {مِنْ} شرطية، جوابها قوله: {فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} أو موصولة خبرها محذوف، دل عليه قوله: {فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ}. والتقدير: أكل الناس سواء، فمن وسّع الله صدره للإسلام فقبله، واهتدى بهديه {فَهُوَ} بسبب ذلك الشرح {عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} يفيض عليه كمن قسا قلبه لسوء اختياره، فصار في ظلمات الضلالة، وبليات الجهالة، والمراد بشرح الصدر: خلقه متسع الصدر مستعدًا للإسلام، فبقي على الفطرة الأصلية، ولم يتغير بالعوارض المكتسبة القادمة فيها، فهو بسبب ذلك، مستقر على نور عظيم من ربه، والمراد بالنور: اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية، والتوفيق للاهتداء بها إلى الحق؛ أي: كمن قسا قلبه، وحرّج صدره، بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختياره، واستولت عليه ظلمات الغي، والضلالة، فأعرض عن تلك الآيات بالكلية، حتى لا يتذكر بها، ولا يغتنمها كقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}. يعني ليس من هو على نور، كمن هو على ظلمة، فلا يستويان كما لا يستوي النور والظلمة، والعلم والجهل.
واعلم (?): أنه لا نور ولا سعادة لمسلم، إلا بالعلم والمعرفة، ولكل واحد من المؤمنين معرفة تختص به، وإنما تتفاوت درجاتهم بحسب تفاوت معارفهم، والإيمان والمعارف أنوار، فمنهم من يضيء نوره جميع الجهات، ومنهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه، فإيمان آحاد العوام نوره كنور الشمع، وبعضهم نوره كنور السراج، وإيمان الصديقين نوره كنور القمر، والنجوم على تفاوتها، وأما الأنبياء فنور إيمانهم كنور الشمس وأزيد، فكما ينكشف في نورها كل الآفاق مع اتساعها، ولا ينكشف في نور الشمع إلا زاوية ضيقة من البيت، كذلك يتفاوت انشراح الصدور بالمعارف، وانكشاف سعة الملكوت لقلوب المؤمنين، ولهذا جاء في الحديث: أنه يقال يوم القيامة: أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ونصف مثقال، وربع مثقال، ففيه تنبيه على تفاوت درجات الإيمان،