والمعنى (?): أي لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب محارمه لهم في الجنة غرف؛ أي: طباق فوق طباق، مبنيات محكمات تجري من تحتها الأنهار الأربعة، الجارية في الجنة الماء، واللبن، والخمر، والعسل المصفى، ثم أكد حصول ذلك لهم بقوله: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ}؛ أي: وعد الله هؤلاء المتقين بذلك، ووعده الحق، فهو لا يخلف ما وعدهم، بل يفي بوعده.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهل الجنة يتراؤون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراؤون الكوكب الدرّي، الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم»، فقالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» متفق عليه. قوله: «الغابر»؛ أي: الباقي في ناحية المشرق أو المغرب.
وفي الآية دقيقة شريفة (?): وهي أنه تعالى، لم يذكر في آيات الوعيد البتة، مثل هذا التأكيد، وذلك يدل على أن جانب الوعد أرجح من جانب الوعيد، أما قوله تعالى: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} ليس تصريحا بجانب الوعيد، بل هو كلام عام، يتناول الوعد والوعيد، فثبت أن ترجيح الوعد حق، خلافًا للمعتزلة.
21 - ولما ذكر سبحانه الآخرة، ووصفها بوصف يوجب الرغبة فيها والشوق إليها .. أتبعه بذكر الدنيا، ووصفها بوصف يوجب الرغبة عنها، والنفرة منها، فذكر تمثيلًا لها في سرعة زوالها، وقرب اضمحلالها، مع ما في ذلك من ذكر نوع من أنواع قدرته الباهرة، وصنعه البديع، فقال: {أَلَمْ تَرَ}؛ أي: ألم تعلم يا محمد، أو أيها المخاطب، أو ألم تر أيها الناظر، والاستفهام فيه تقريريّ، والرؤية إما بصرية أو قلبية، والخطاب إما للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو عام، وهو أولى؛ أي: ألم تعلم أيها المخاطب {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ}؛ أي: من