عليه كلمة العذاب لعدم أهليته للكمال، وتدسيته نفسه بولوغها في الآثام والمعاصي، فأنت تنقذه من النار، كلا ليس أمرهم إليك بل أمرهم إلى ربهم، يجازيهم بحكمته وعدله.
20 - ولما ذكر سبحانه فيما سبق، أن لأهل الشقاوة ظللًا من النار من فوقهم، ومن تحتهم ظللًا، استدرك عنهم من كان من أهل السعادة، فقال: {لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} اليوم باجتنابهم عن الشرك والمعاصي، والزلات، والشهوات، وعبادة الهوى، والركون إلى غير المولى سبحانه، فقد أنقذهم الله تعالى في القسمة الأولى، من أن يحق عليهم كلمة العذاب، وحق لهم أن يكونوا مظهر صفات لطفه، وفضله إلى الأبد، بأن يكون {لَهُمْ غُرَفٌ}؛ أي: عُلالي متفاوتة بحسب مقاماتهم في التفوى، جمع غرفة، وهي علّيّة من البناء، وسمي منازل الجنة غرفًا، كما في «المفردات»، لعلوها وارتفاعها {مِنْ فَوْقِها}؛ أي: من فوق تلك الغرف {غُرَفٌ}؛ أي: علالي أخر؛ أي: لهم علالي ومنازل بعضها فوق بعض، بيّن (?) أن لهم درجات عالية في جنات النعيم، بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة في الجحيم {مَبْنِيَّةٌ} تلك الغرف، الموصوفة بناء المنازل على الأرض الرصانة والإحكام، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها. وفي «بحر العلوم»: {مَبْنِيَّةٌ} بنيت من زبرجد وياقوت ودر، وغير ذلك من الجواهر، وفيه إشارة بأنها مبنية بأيدي أعمال العاملين، وأحوال السالكين {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت تلك الغرف المنخفضة والمرتفعة {الْأَنْهارُ} الأربعة من غير تفاوت بين العلو والسفل، وفي ذلك كمال لبهجتها، وزيادة لرونقها، وانتصاب {وَعْدَ اللَّهِ} على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة قبلها؛ لأن قوله: {لَهُمْ غُرَفٌ} في معنى الوعد؛ أي: وعدهم الله سبحانه تلك الغرف والمنازل وعدًا، وجملة قوله: {لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ} مقررة للوعد؛ أي: لا يخلف الله ما وعد الفريقين من الخير والشر، والخلف: نقض العهد، وهو على الله محال، والميعاد بمعنى الوعد.