- صلى الله عليه وسلم -: «إن عفريتًا من الجن، تفلّت عليّ البارحة، ليقطع عليّ صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد، حتى تنظروا إليه كلكم، ويلعب به ولدان أهل المدينة، فذكرت دعوة أخي سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي، فرددته خاسئًا»؛ أي: ذليلا مطرودا، لم يظفر بي، ولم يغلب على صلاتي، فدل على أن الملك الذي آتاه الله سليمان، ولم يؤت أحدًا غيره من بعده، هو الظهور بعموم التصرف في عالم الشهادة لا التمكن منه، فإن ذلك مما آتاه الله غيره من الكمل نبيا كان أو وليا. ألا ترى: أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال: «فأمكنني الله منه»؛ أي: من العفريت، فعلمنا أن الله تعالى، قد وهب التصرف فيه، بما شاء من الربط وغيره، ثم إن الله تعالى ذكره، فتذكر دعوة سليمان، فتأدب معه كمال التأدب، حيث لم يظهر بالتصرف في الخصوص .. فكيف في العموم؟. فرد الله ذلك العفريت، ببركة هذا التأدب خاسئًا عن الظفر به، وكان في وجود سليمان عليه السلام، قابلية السلطنة العامة، ولهذا ألهمه الله تعالى، أن يسأل الملك المخصوص به، فلم يكن سؤاله للبخل، والحسد، والحرص على الاستبداد بالنعمة والرغبة فيها، كما توهمه الجهلة.

وعبارة «الخازن» هنا: فإن قلت: قول سليمان: {لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} مشعر بالحسد، والحرص على الدنيا.

قلت: لم يقل ذلك حرصًا على طلب الدنيا ولا نفاسة بها، ولكن كان قصده في ذلك، أن لا يسلط عليه الشيطان مرة أخرى، وهذا على قول من قال: إن الشيطان استولى على ملكه، وقيل: سأل ذلك ليكون علمًا وآية لنبوته، ومعجزة دالة على رسالته، ودلالة على قبول توبته، حيث أجاب الله تعالى دعاءه، ورد ملكه إليه، وزاده فيه، وقيل: غير ذلك.

وعبارة «فتح الرحمن»: إن قلت: كيف (?) قال سليمان ذلك، مع أنه يشبه الحسد والبخل بنعم الله تعالى على عباده، بما لا يضر سليمان؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015