قلت: المراد، لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي، كما فعل الشيطان الذي لبس خاتمي، وجلس على كرسيي، أو أن الله تعالى، علم أنه لا يقوم غيره مقامه، بمصالح ذلك المكان، واقتضت حكمته تعالى تخصيصه به، فألهمه سؤاله، انتهى.
ثم علل المغفرة والهبة معًا، فقال: {إِنَّكَ أَنْتَ} يا إلهي {الْوَهَّابُ}؛ أي: الكثير المواهب والعطاء، فأجب طلبي، وحقق رجائي، فإن قيل (?): قوله: {لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} هل يتناول النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ قلنا: أما بالصورة فيتناول، ولكن لعلو همته وكمال قدره لا لعدم استحقاقه؛ لأنه عُرض عليه - صلى الله عليه وسلم - ملك أعظم من ملكه، فلم يقبله، وقال: الفقر فخري. وأما بالمعنى: فلم يتناول النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قال: «فضلت على الأنبياء بست» يعني: على جميع الأنبياء، ولا خفاء في أن سليمان عليه السلام، ما بلغ درجة واحد من أولي العزم من الرسل، مع اختصاصه بصورة الملك منهم، وهم معه مفضولون بست فضائل من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
36 - ثم أخبر سبحانه، بأنه أجاب دعاءه، ووفقه لتحصيل ما أراد، وعدد نعمه عليه. فقال:
1 - {فَسَخَّرْنا لَهُ}؛ أي: فذللنا لطاعة سليمان إجابة لدعوته {الرِّيحَ}. قال أبو عمرو: إنها ريح الصبا؛ أي: جعلناها مطيعة له، لا تخالفه إجابة لدعوته، فعاد أمره عليه السلام، على كان عليه قبل الفتنة، فيكون ذلك مسببًا عن إنابته إلى ربه.
وفيه: إشارة إلى أن سليمان، لما فعل بالصافنات الجياد. ما فعل في سبيل الله، عوّضه الله مركبًا مثل الريح، كان غدوها شهرا، ورواحها شهرًا. كما في «التأويلات النجمية». وقد سبق أيضًا «كشف الأسرار»: قال البقلي، رحمه الله: كان سليمان عليه السلام، من فرط حبه جمال الحق، يحب أن يظهر إلى صنائعه، وممالكه ساعة، فساعة من الشرق إلى الغرب، حتى يدرك عجائب ملكه