وعدم لوم الضال والمضل بما كسبا، لما أشير إليه، من أنهم لا يقدرون على إضلال أحد، إلا إضلال من علم الله منه اختيار الكفر، والإصرار عليه. وعلم الله، وتقديره، وقضاؤه فعلًا من أفعال المكلفين، لا ينافي اختيار العبد، وكسبه.
164 - قوله: {وَما مِنَّا} حكاية اعتراف الملائكة للرد على عبدتهم، كأنه قيل: ويقول الملائكة الذين جعلتموهم بنات الله، وعبدتموهم بناءً على ما زعمتم، من أن بينهم وبينه تعالى مناسبة، وجنسية جامعة. وما منا أحد؛ أي: وما أحد كائن منا معشر الملائكة {إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} في السموات، يعبد الله فيه، لا يتجاوزه. وفي «السمين»: في هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أن {مِنَّا} صفة لموصوف محذوف هو مبتدأ، والخبر الجملة من قوله: {إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} تقديره: ما أحد منا إلا له مقام معلوم. وحذف المبتدأ مع {مَنْ} جيد فصيح.
والثاني: أن المبتدأ محذوف أيضًا، و {إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} صفة حذف موصوفها، والخبر على هذا هو الجار المتقدم، والتقدير: وما منا أحد إلا له مقام معلوم، انتهى. وقيل: التقدير: وما منا إلا من له مقام معلوم. يعني (?): أن جبرائيل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم؛ أي: مرتبة، ومنزلة، ووظيفة لا يتعداها. فمنا الموكل بالأرزاق، ومنا الموكل بالآجال، ومنا الموكل بإنزال الوحي، ومنا راكع لا يقيم صلبه، ومنا ساجد لا يرفع رأسه خضوعًا لعظمته، وخضوعا لهيبته، وتواضعًا لجلاله، ولكل منزلته من العبادة، والتقريب، والتشريف.
ففي الآية تنبيه على فساد قول المشركين: إنهم أولاد الله؛ لأن مبالغتهم في إظهار العبودية تدل على اعترافهم بالعبودية، فكيف يكون بينه تعالى وبينهم جنسية؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح، بل والعالم مشحون بالأرواح، فليس فيه موضع بيت ولا